إبراهيم الجيدة: قطر خطَتْ خطوات واثقة، وغير متعجِّلة، معماريّاً

| 10 نوفمبر 2022 |
تكريس جهوده لتعزيز النمط المعماري الحديث في قطر، مع الحفاظ على العناصر الأساسية التقليدية لهندسة العمارة القطرية، كان أهمّ سبب في حيثيّات فوز المهندس القطري إبراهيم الجيدة بجائزة الدولة التشجيعية في مجال الهندسة، عام (2005). وهو حاصل، أيضاً، على جائزة منظَّمة المدن الإسلامية، وجائزة منظّمة المدن العربية عدّة مرّات وترَّشح، لأكثر من مرّة، لجائزة «أغاخان» الدولية.. في هذا الحوار، يتحدَّث عن رؤيته التي جسَّدها في أعماله، وعن رؤيته للهويّة المعمارية لمدينة الدوحة:
كيف تنظر إلى ما وصلت إليه الدوحة معماريّاً، مقارنةً بجيرانها، حاليّاً؟
– ما وصلت إليه قطر أمرٌ يدعو إلى الفخر، لأنها خطَتْ خطوات واثقة، وغير متعجِّلة، وذلك من خلال التطوُّر خطوة خطوةً، على المستويات كافّةً، لاسيّما معماريّاً، لاعبر قفزات.
الجميل في ما توصَّلت إليه قطر، من الناحية المعمارية، خلال السنوات العشر الماضية، هو الحفاظ على الهويّة المعمارية، خصوصاً أن الدولة كان لها دور كبير في تحديد الاتِّجاه المعماري للمباني الحكومية، كما أن القطاع الخاصّ سار على نهج الدولة في البناء، حفاظاً على الهويّة المعمارية، بالرغم من أنه لا توجد تشريعات واضحة بهذا الشأن، حتى الآن. ولكن، حاليّاً، يتمّ البدء في اتِّخاذ خطوات تشريعية نحو الحفاظ على الهويّة القطرية المعمارية.
التنوُّع، يبدو جليّاً في العمارة القطرية، حيث التراث الإسلامي في جانب، ومنطقة الأبراج في جانب آخر، وبعض خطوط العمارة التقليدية، والعمارة الأوروبية في بعض القصور. كيف ترى هذا التنوُّع؟
– التنوُّع أمر طبيعي في كلّ المدن، حتى في تاريخ المدن الحديثة، ففي شيكاغو أو نيويورك، وغيرهما من المدن التي كانت فيها طفرات معمارية مميّزة، نلاحظ التنوُّع. وهو طبيعي طالما لا يوجد شذوذ يشوِّه المعمار.
أمّا في البيوت، فلا يوجد -للأسف- أيّ تحكُّم، من الناحية التخطيطية، بالطراز، وتكون المسألة شخصية، حيث نلاحظ أشكالاً معمارية من شمال إفريقيا، وأوروبا، على اختلاف مع الطراز المعماري المحلِّي. أمّا في منطقة الأبراج (علماً بأنه توجد فيها مبانٍ زجاجية كثيرة) فنلاحظ بعض التحف المعمارية التي وضع لها التصميمات معماريّون عالميّون، حيث نجد فيها لمسات حديثة تحافظ، في الوقت ذاته، على الهويّة المعمارية القطرية.
لم تسقط الدوحة في فخّ المدينة المسرعة (مدينة الغرباء) أو (مدينة العبور)، وغالباً ما تكون الأبراج هي السبب في تسريب ذلك الشعور.. ألا تتَّفق معي في ذلك؟
– الأبراج أضحت في قلب المدن حاليّاً، أو ما يسمّى بـ Down Town. والدوحة، مثل أيّة مدينة في العالم، اهتمَّت ببناء الأبراج، ولحسن الحظّ تَمَّ تركيز بناء تلك الأبراج في منطقة الدفنة، فحسب، كما تَمَّ تحديد ارتفاعات معيَّنة لها، كما في اللؤلؤة أو لوسيل، لا تتعدَّاها، حتى لا تتحول إلى ناطحات سحاب.
لكنك تشعر في منطقة الأبراج، بأنها مدينة أشباح، بعد انتهاء أوقات العمل الرسمية!
– نعم. معك حقّ في هذا الشعور، لكن هذا الخطأ كان في بداية التخطيط للأبراج، ثم تَمَّ تداركه، إذ كان يُمنَع وجود أبراج سكنية، وكانت أبراجاً إدارية، فقط، لكن، قبل عشر سنوات، تقريباً، تَمَّ السماح ببناء الأبراج السكنية.
هل ترى أن الفصل المناطقي هو النظام الأفضل للمدينة؟
– بالطبع، إن الفصل المناطقي هو الحلّ الأمثل لكلّ مدينة حديثة، حيث يوجد ما يسمّى «الداون تاون» أو قلب المدينة، والمناطق السكنية، وفي علم التخطيط الحديث يفضَّل المزج بين السكني، والتجاري؛ تفادياً للزحام المروري والتلوُّث. فمثلاً في منطقة لوسيل، وهي منطقة مثالية، يمكنك العمل والسكن بالإضافة إلى التسوُّق، وبهذا تصبح كلّ منطقة شبه متجانسة.
لكنّ هذا الفصل، ربَّما، يؤطِّر لفكرة الطبقية؟
– هذا أمر نتخوَّف منه دائماً، لأن المدن، في الغرب، سقطت ضحيّة هذا الفعل، حيث كان التمييز الطبقي في المناطق، وحدثت الطبقية؛ ما أدّى إلى تسمية مناطق معيَّنة بمناطق الإجرام، يُخشى الدخول إليها. لكن المجتمعات العربية، والإسلامية لا تسمح، في أغلبها، بمثل هذا التمييز بسبب تركيبتها الاجتماعية، وتركيبتها الدينية، حيث لازالت معظم المناطق السكنية، في المدن العربية، تضمّ القصر بجوار البيت المتواضع، جنباً إلى جنب.
ما الفرضيّة المعمارية التي تنطلق منها في أعمالك؟
– فرضيَّتي المعمارية، منطلقها الحفاظ على الهويّة، وليس -بالضرورة- بطريقة مباشرة؛ بمعنى أن المباني والمشروعات التي أقوم بتصميمها، حاليّاً، ليست كتلك التي نفَّذتها في مراحلي العملية الأولى، على الطريقة التقليدية البحتة، فمنطلقي الحالي هو أنه بالإمكان تشييد أحدث المباني عبر استخدام أحدث الموادّ والتكنولوجيا، مع الحفاظ على الهويّة القطرية، وهذا هو التحدّي بالنسبة إليّ؛ فالحفاظ على الهويّة هو منطلقي نحو العالمية المعمارية.
في برج «برزان»، في الدفنة، وهو من تصميمك، نرى التداخل والحوار بين الموادّ على شكل تقيلدي من (المبخرة)، إلى الزجاج. أمّا في النادي الدبلوماسي، فالعكس هو الحاصل: (برجان تقليديّان) مع نوافذ معشَّقة. هل هو تطوُّر في الشكل المعماري لديك، أم هي حالة معمارية؟
– هي حالة معمارية عكسَت ما بداخلي وقت تصميم البرج والنادي، فبرج برزان هو أوَّل تجربة لي في عمل الأبراج، وكان من الأبراج الأولى في منطقة الدفنة، وهو يعبِّر عن صراع داخلي: كيف أضع الخطّ الرابط والمازج بين الحداثة والتقليد؟.
وأعتقد أن النتيجة، بعد كلّ هذه السنوات من العمل، أنه يمكن الخلط بين الحداثة والتقليدية بطريقتَيْن؛ طريقة المباشرة، وأخرى غير مباشرة. وتجربة برزان كانت بطريقة غير مباشرة، وأوصلتني إلى الحصول على الكثير من التشجيع في عدّة مناسبات، حيث قام التليفزيونان: الألماني، والفرنسي، بتصوير المبنى، وإجراء لقاءات معي للحديث عن كيفية المزج بين الحديث والقديم في تصميمه.
أمّا النادي الدبلوماسي، فكنت أهدف، من ورائه، إلى إبراز الطراز المعماري الخليجي؛ لذلك وضعت فيه الأبراج الهوائية، برغم أن الدوحة لم تكن معروفة، تاريخياً، بتلك الأبراج، لكني استخدمتها كعناصر معمارية، لها علاقة بمنطقة الخليج كلِّه. كما أن النوافذ المعشَّقة تعكس، أيضاً، الثّقافة الخليجية، وكذلك الأقواس التي كانت معروفة في المجالس القديمة.
تبدو العمارة الصلبة (الخطوط المستقيمة) في عمارة النادي الدبلوماسي، برغم وجود العمارة الليّنة (القوس والعامود المستدير). لكن، لماذا كان الطغيان والغلبة للخطوط المستقيمة؟
– بالغنا، بالفعل، في الخطوط المستقيمة الأفقية، بوضع بلاط أزرق؛ وذلك بهدف إعطاء روح الرسمية والبروتوكولية، لأن المبنى حجمه كبير، وكان، في وقت تشييده، أكبر مبنى بهذا الطراز، في المنطقة، وودت أن أعكس، بالخطوط الأفقية، الطابعَ الرسمي للمبنى، أمّا القوس والعامود المستدير فهما داخل الفناء؛ من أجل جعل المكان أكثر نعومة، ولإضفاء جوٍّ من الدفء، على المكان.
مشروع مشيرب (قلب الدوحة)، سعى إلى التطوير، وإلى المحافظة على التراث، في الوقت نفسه.. كيف ترى المشروع؟
– مشروع مشيرب، من المشاريع المميِّزة جدّاً، وهو تجربة تحلم بها معظم المدن العربية. وفي محاضراتي، أستخدم مشيرب مثالاً، حينما أودّ الحديث عن أمنيتي في المدى الذي سيذهب إليه مستقبلنا المعماري، فالمشروع يستخدم أحدث التقنيات الموجودة في العالم، من جهة المباني الخضراء والنواحي التخطيطية، وحتى من جهة المواصلات، إذ تَمَّ استغلال تحت الأرض للمواصلات الخدمية، والمواصلات الحديثة مثل القطار ومترو الأنفاق، وذلك كلّه من خلال استقدام أنجح المعماريِّين في العالم، ومحاكاة الطراز المحلِّي مع استخدام التقنيات الحديثة، وكان هذا هو التحدّي الأكبر أمام هؤلاء المعماريِّين. وأعتقد أن مشروع مشيرب هو موسوعة للعمارة الخليجية المعاصرة.
ما هي رؤيتك للعلاقة مع التراث؟ وما حدود هذه العلاقة؟؛ لأن الأمر قد يصل، أحياناً، إلى حَدّ إعاقة الحياة المعاصرة تحت هذا الشعار.
– دائماً، أقول للطلاب في الجامعات، في نقاشاتي ومحاضراتي: «لا تجعلوا فهمكم للتراث أنه سلسلة في أيدينا، تمنعنا من التطوُّر»، فالتخلُّف هو الامتناع عن استخدام أحدث ما توصَّل إليه العلم الحديث في العمارة. والتحدّي هو كيفية التعاطي مع علم البناء الحديث، والحفاظ، في الوقت ذاته على الهويّة، والتي هي ليست في الشكل، دائماً، بل هي، أحياناً، في الاستخدام، لأن الهويّة هي القاعدة التي ننطلق منها إلى التطوُّر، وإلى العالمية، وهذا جزء من «رؤية قطر الوطنية (2030)».
لك مؤلَّف، يراه كثيرون «الكتاب المرجعي» عن العمارة القطرية. ما الدافع الذي جعلك تقوم بهذه المساهمة النظرية؟
– الكتاب، هو «تاريخ العمارة في قطر، من (1800 – 1950)»، أي منذ بداية تأسيس دولة قطر إلى بداية ظهور النفط، حيث كانت بداية النهاية للعمارة التقليدية، ثم ظهرت المباني الحديثة والخرسانية.
هذا الكتاب، كان حلمي منذ أن عدت من الدراسة في الولايات المتَّحدة، حيث لم أجد أيّ مرجع لتاريخ العمارة القطرية؛ لذلك بدأت في البحث، وجمع المعلومات، والتصوير على مدى خمسة عشر عاماً، إلى أن قرَّرت في عام (2009)، وضع هذه المادّة في كتاب، تَمَّ نشره، بالإنجليزية، عبر شركة «سكيرا» في ميلانو، في إيطاليا، ويستخدمه المعماريون العالميون الذين يعملون في قطر، حاليّاً، كمرجع، كما أنه أصبح مرجعاً للطلبة في معظم الجامعات.
مسجد الإمام محمد بن عبد الوهاب، هل كان لك إسهام في تصميمه؟
– نعم. لقد كان لي دور كبير في تصميمه، فقد أدرت المشروع كاملاً، والتصميمات الداخلية كانت من تصميمي، وكذلك الديكور والنقوش والمداخل والأبواب.