المُجتمع المفتوح في السياق الإسلاميّ

| 08 فبراير 2021 |
هل يمكن الحديث عن ثقافة الحوار والاختلاف والمُصالحة في العَالَم العربيّ الإسلاميّ في الوعاء الزمنيّ المُعاصِر؟ أين نحن من كبار النظار في العصر الكلاسيكيّ الذين أسَّسوا للحوار والاختلاف والتعدُّد؟ أين نحن من موائد الحوار والاختلاف والتسامح الدسمة في هذا العصر الكلاسيكيّ التي قدَّمها بعض جهابذة مؤرِّخيّ الفرق والمذاهب كابن حزم في كتابه العمدة «الفصل في الملل والأهواء والنحل»، الذي تعرَّض فيه للاتجاهات الدينيّة والمذاهب النصرانيّة واليهوديّة، حيث يبدأ كتابه بالذين نختلف معهم أكثر، وينهيه بالذين خلافنا معهم أَقلّ، والأشعري في كتابه العمدة «مقالات الإسلاميّين» الذي لم يبدِّع ويكفِّر ويخاصِم فيه المُخالفين، دون أن ننسى أو نتناسى الشهرستاني في كتابه العمدة «الملل والنحل»، وابن النديم والبيروني، ناهيك عن «الرجال العظام» وصناديد الفلاسفة الأدباء في القرن الرابع الهجريّ، ولاسيما الجاحظ والكندي والتوحيدي والمعري، وغيرهم من الأسماء اللامعة في سماء «الحكمة الخالدة»؟! ويحضرني في هذا الصدد المرحوم محمد أركون الذي يقول: «لا ريب في أنّ النصوص الكبرى للفكر العربيّ – الإسلاميّ كانت تحتوي على البذور الأولى لفكرة التسامح، وتؤدِّي إلى الطريق المُؤدِّي إلى التسامح بالمعنى الحديث للكلمة»(1).
صحيح أن كثيراً من المياه قد جرت بين غروب «الإبيستيمي الوسطويّ» وبزوغ شمس «الإبيستيمي الحديث»، ومع ذلك فإن ما يعجُّ به العَالَم العربيّ اليوم من محاولات الحصار والإقصاء وتكميم الأفواه، وإحصاء الأنفاس، وشبح الحروب التي يمتزج فيها الدينيّ بالسياسيّ، والإثني العرقيّ باللُّغويّ يجعل التاريخ معكوساً، والأمس يبدو وكأنه أفضل من اليوم. ومن هنا يمكن القول بأن ثقافة الحوار والاختلاف والتسامح والمُصالحة وُجدت قديماً في السياق الإسلاميّ ممارسةً وغابت مفهوماً، بينما وُجدت اليوم مفهوماً وغابت ممارسةً، حيث يضيق العَالَم العربيّ بطرائق أبنائه في التفكير، وأساليب حياتهم، وأنماط عيشهم، واختياراتهم السياسيّة ومعتقداتهم الدينيّة وحقّهم في الاختلاف. فالأنظمة الدينيّة والسياسيّة ما زالت تتنفس بخياشم الفضاء العقليّ للقرون الوسطى، ولا تنتمي إلى الفضاء العقليّ للحداثة. وتمارس الاستبداد وتربأ بالديموقراطيّة. و«الانحطاط هو الابن الشرعيّ للاستبداد»(2) الذي وضعه الكواكبي في قفص الاتهام في كتابه العمدة «طبائع الاستبداد». أمّا حقوق الإنسان فمازالت تمثِّل الغائب الأكبر في خريطة العَالَم العربيّ، بينما لم يعد التسامح فضيلة، بل أضحى رذيلة. ناهيك عن الخلاف السنيّ – الشيعيّ المُزمن الذي لم يفضِ بعد إلى ما أفضى إليه شبيهه الخلاف الكاثوليكيّ والبروتستانتيّ من ثمرات التسامح والتعايش والاختلاف والمُصالحة بالمعنى الدينيّ والسياسيّ معاً، رغم استئناف جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده وبعض الروّاد المسيحيّين لجهودهم في الدفاع عن هذه القيم الحواريّة والتعدُّديّة في عصر النهضة. «على أن النظر الموضوعيّ المُنصف إلى الثقافة العربيّة في الزمن الموسوم بعصر النهضة يكشف لنا أن الموقف الحواريّ من الثقافة الغربيّة كان هو الغالب على آراء مفكِّرينا»(3). والخلاصة الرزينة التي ينبغي الخلوص إليها يصوغها سعيد بنسعيد العلوي بقوله: «وصفوة القول: إن «عصر النهضة» في كتابات أهله من المدارس المتباينة … برهان على إدراك المغزى الإيجابيّ لمُحاورة الثقافة العربيّة الإسلاميّة للثقافات الأخرى المُجاورة»(4).

إنّ رفض التسامح والحوار والاختلاف والمُصالحة حديثاً هو انقلاب على التاريخ الإسلاميّ القديم، إنْ شئنا استعارة إحدى العبارات الرائجة عند بروديل زعيم مدرسة الحوليات (Les Annales)، ونكرانٌ لما تحقَّق بالأمس في عصر النهضة، إنْ شئنا استخدام مفهوم «المدة القصيرة» بدل «المدة الطويلة»، قبل أن يكون إذاية لمكاسب الحداثة وإساءة لقيم العصر الحديث. ذلك أن المُجتمع الإسلاميّ في الماضي كان مجتمعاً مفتوحاً، بينما أصبح اليوم مجتمعاً ينحو منحى انغلاقيّاً. «ولذلك فالمُجتمع الإسلاميّ، بحكم هذا كلّه، يدخل في عِداد «المُجتمع المفتوح» (Open Society)، وكلّ محاولات الحَجْر عليه أو تضييق الخناق حوله، بإقفال النوافذ والمنافذ ورفض «الآخر» والامتناع عن محاورته، إنما هي محاولات تسيء إلى هذا المُجتمع وتبعده عن مغزاه وطبيعته»(5). فقد انتصر المُجتمع الإسلاميّ في العصر الكلاسيكي لقيم الحوار والاختلاف والتعايش والتفاهم بين الثقافات المُتعدِّدة والمُتغايرة التي ترجم لها، فضلاً عن المُتماثلة. «القضية التي نصدر عنها، في الحوار بين الثقافة العربيّة الإسلاميّة والثقافات الأخرى، تقضي بأن الحوار، وإنْ كان اليوم متعثِّراً ومضطرباً، وكانت تقوم في وجهه عوائق وإشكالات، فإنه في الغد القريب يكتسي صفة الاستلزام، فهو شرط وجود في المُستقبل. وهو اليوم، عكس ما قد يعتقده البعض مناخٌ حيويٌّ حتميّ لا تملك الثقافة العربيّة الإسلاميّة اليوم أن تحيا وتتنفَّس خارجاً عنه»(6). وهذا ما أصاب المُجتمعات العربيّة الإسلاميّة الحديثة في مقتل، فأصبحت متخلّفة -أو تكاد- كيفما قلبتها مشرقاً أو مغرباً رغم غِنى ثرواتها الماديّة والبشريّة غير المُقسَّمة بشكلٍ عادل، وهو ما يستدعي عمليّة جراحية للتخلُّص من ورم «نظريّة المُؤامرة»، و«خطاب الضحية»، و«الحكاية الكبرى – Grand narrative» التي تحوَّلت إلى حكاية صغرى ولم تحقِّق الغاية المرجوة منها، بعد أن تناسل «المُعذَّبون في الأرض»، وارتفع «هتاف الصامتين»، وتعالى «أنين المقهورين». «واستحقار الخصم كاستحقار يسير من النار، فإنه ينتشر من يسيرها ما يحترق به كثير من الدنيا»(7).
إنّ العَالَم العربيّ الإسلاميّ اليوم مدعو إلى الاستفادة من ماضيه قبل الاستفادة من مكاسب الحداثة وروح العصر، والتحلي بالانفتاح والمرونة لتجاوز أدواء التخلُّف والانحطاط والتبعية، فنحن نحتاج إلى مراجعة أنفسنا والتحاور بين أسرتنا النووية التي نتشارك فيها كمُتماثلين وأسرتنا النووية التي نتشارك فيها كمُتغايرين. ولعَلّ من سيئاتنا أننا حرمنا من متعة الاتِّصال المُباشِر بالأصول والنصوص التأسيسيّة الدينيّة والفلسفيّة الكبرى التي لم نحقِّق معها الوصال، خاصّة النصّ التأسيسيّ الأول (القرآن) الذي هو من ألفه إلى يائه عبارة عن حوار وتحاجُج مع المُخالفين والمُغايرين، وفي مقدِّمتهم غير المُؤمنين به كالدهريّين والطبيعيّين أو الكفار والمُشركين، وبالتالي، فإنّ ترسيخ التسامح يقتضي في كلِّ مكان توافر شرطين أساسيّين: الأول هو إرادة الفرد في التسامح، والثاني هو ارتباط هذه الإرادة الفرديّة بالإرادة السياسيّة الجماعيّة على مستوى الدولة. وبهذا الصدد يمكننا القول بأن هاتين الإرادتين كانتا معدومتين في الغالب وحتى الآن في عددٍ كبير من البلدان الإسلاميّة (بما فيها العربيّة بالطبع). ولكن انعدام التسامح هذا يعود إلى أسبابٍ تاريخيّة واجتماعيّة وأنثروبولوجيّة. ويمكننا أن نستشهد بأمثلة عديدة للبرهنة على أن هذه المزدوجة الثنائيّة مترابطة لا تنفصم. أقصد مزدوجة التسامح / اللاتسامح. كما ويمكنني البرهنة على أنه يتمُّ التلاعب بها من قِبل الأنظمة القائمة، أي «الدولة – الوطن – الحزب». فهي تتلاعب بفكرة التسامح أو تدعيها وتلوِّح بها في الوقت الذي تجد فيه أن الثقافة الفلسفيّة والتاريخيّة والأنثروبولوجيّة اللازمة لأيّة ممارسة حقيقيّة وغير مشروطة للتسامح الفعَّال لا تزال معدومة في كلّ البيئات الإسلاميّة (أفرِّق هنا بين التسامح الفاعل أو الفعَّال وبين تسامح اللامبالاة الذي لا نعتبره تسامحاً)»(8).
ونحن نعتقد بأن منزلة الحوار والاختلاف والمُصالحة والتسامح ما زالت لم تجد موطأ قدم لها في جغرافية العَالَم العربيّ، حتى كاد أن يصبح الهلاك هو المآل والمرجع، وحتى كاد أن يصبح تعاملنا مع هذه القيم كتعامل المُتطبّب مع صناعة الطب التي يصيب فيها مرّة ويخطئ فها مئة مرّة، إن شئنا استعارة إحدى الصيغ اللُّغويّة لجالينوس، أو الجاهل في الرماية الذي يخطئ الغرض في الأكثر والأغلب ولا يقترب منه إلّا في النادر الأَقلّ، ممّا يجعل صوابه مهجوراً. إذ نصبح أمام الخطأ الأكثري من أجل تحقيق الخير أو الصواب الأقلي إنْ شئنا استعارة إحدى الصيغ اللُّغويّة للشارح الأعظم ابن رشد الذي يعلمنا شكر الآخرين من غير ملة الإسلام في ما أصابوا فيه وعذرهم في ما زلوا فيه «فبيَّن أنه يجب علينا أن نستعين على ما نحن بسبيله بما قاله من تقدُّمنا في ذلك. وسواء كان ذلك الغير مشاركاً لنا أو غير مشارك في الملة، […] وأعني بغير المُشارك: مَنْ نظر في هذه الأشياء من القدماء قبل ملة الإسلام. […] ينبغي أن نضرب بأيدينا إلى كتبهم، فننظر فيما قالوه من ذلك، فإنْ كان كلّه صواباً قبلناه منهم، وإنْ كان فيه ما ليس بصواب نبّهنا عليه»(9). ويردف فيلسوف قرطبة ومراكش في سياق موقفه الإيجابيّ حيال علوم الأوائل لدى المُخالفين، وتحديداً لدى الإغريق قائلاً: «فما كان منها موافقاً للحقّ قبلناه منهم، وسررنا به، وشكرناهم عليه، وما كان منها غير موافق للحقّ نبهنا عليه، وحذَّرنا منه، وعذرناهم»(10). وهذا القول الرائع في شكر الآخرين وعذرهم لآخر فلاسفة الإسلام في الحضارة العربيّة الإسلاميّة، يذكِّرنا بنصّ لأول فلاسفة الإسلام، وهو الكندي الذي يُلقَّب بفيلسوف العرب، وهو النصّ الذي يقول فيه: «ومن أوجب الحقّ أن لا نذم من كان أحد أسباب منافعنا الصغار الهزلية، فكيف بالذين هم أكثر أسباب منافعنا العظام الحقيقيّة الجدية، فإنهم وإنْ قصَّروا عن بعض الحقّ، فقد كانوا لنا أنساباً وشركاء في ما أفادونا من ثمار فكرهم والتي صارت لنا سبلاً وآلات مؤدِّية إلى علم كثير ممّا قصَّروا ومن نيل حقيقته. وسيما إذ هو بين عندنا وعند المُبرزين من المُتفلسفين قبلنا من غير أهل لساننا إنه لم ينل الحقّ بما يستأهل أحد من الناس بجهد طلبه ولا أحاط به جميعه. بل كلّ واحد منهم إمّا لم ينل منه شيئاً، وإمّا نال منه شيئاً يسيراً، بالإضافة إلى ما يستأهل الحقّ. فإذا جمع يسير ما نال كلّ واحد من النائلين الحقّ منهم، اجتمع من ذلك شيء له قدر جليل. فينبغي أن يعظّم شكرنا للآتين بيسير الحقّ، فضلاً عمَّنْ أتى بكثير من الحقّ، إذ شركونا في ثمار فكرهم وسهَّلوا لنا المطالب الخفيّة الحقيّة بما أفادونا من المُقدِّمات المُسهّلة لنا سبل الحقّ، فإنهم لو لم يكونوا ولم يجتمع لنا مع شدّة البحث في مدننا كلّها، هذه الأوائل الحقيّة التي بها خرجنا إلى الأواخر من مطلوباتنا الحقيّة. فإن ذلك اجتمع في الأعصار السالفة عصراً بعد عصر إلى زمننا هذا مع شدّة البحث ولزوم الدأب وإيثار التعب في ذلك […] وينبغي لنا ألّا نستحيي من استحسان الحقّ واقتناء الحقّ من أين أتى، وإنْ أتى من الأجناس القصية عنّا والأمم المباينة، فإنه لا شيء أولى بطالب الحقّ من الحقّ، وليس يبخس الحقّ ولا يصغر بقائله ولا بالآتي به، بل كلّ يشرفه الحقّ»(11). وهكذا يطلب منّا فلاسفتنا القدماء أن لا نقتصر في شكرنا للآخرين فقط على الذين استفدنا منهم الكثير، بل يجب أن نشكر وبالمثل الذين استفدنا منهم القليل، جنباً إلى جنب مع التساهل مع المُخطئين وعذرهم.
وقد قِيل قديماً: أفسد العَالِم نصف المُتفقّه ونصف المُتطبّب، نصف المُتفقّه أفسد الأديان، ونصف المُتطبّب أفسد الأبدان. وفي هذا الصدد يجب التمييز بين الطبيب والمُتطبّب، والفقيه والمُتفقّه، والتساؤل عن مدى جودة فطرة وسلامة «ولاة الجور والتغلّب» و«أنصاف الفقهاء»، حتى صار العجب اليوم من صوابهم لا من خطئهم، فصوابهم على الأَقلّ وبالعرض وخطؤهم على الأكثر وبالذات. وكأني بهم قد جعلوا الخطأ هو القاعدة أو الغالب الأكثري والصواب هو الاستثناء والنادر أو الشاذ الوقوع، وهذا ما جعل العيب فينا وليس في غيرنا. ونستطرد مع أبو العتاهية، فنقول بلسانه الحكيم:
تَرجُو النّجاةَ ولَم تَسلُكْ مَسالِكَها إنّ السفينةَ لا تَجري عَلى اليَبَسِ
خاتمة
إنّ قيم الحوار والاختلاف والتسامح والمُصالحة هي فيصل التفرقة بين «المُجتمع المُنغلق» و«المُجتمع المُنفتح»، فالحوار والاختلاف والمُصالحة مواقف إيجابيّة تقرّ بحقوق الآخرين، وليست مواقف سلبيّة تنمُّ عن الضعف والخذلان والنفاق. وهي معيار يُقاس به تقدُّم الأمم وتخلُّفها. وإذا كانت هذه المفاهيم والقيم والمكاسب قد تعرَّضت للتطوُّر في السياق الغربيّ، وتعرَّضت لمُقاربات نقديّة، فإننا ما زلنا في العَالَم العربيّ الإسلاميّ لم نستمتع بثمارها الحلوة، لا في صورتها الكلاسيكيّة، ولا في صورتها الأنواريّة الجديدة، ولا في صورتها التطوُّرية النقديّة الساعية نحو تحقيق النضج والكمال والمثال. «كلّ أفكار القطيعة مع العَالَم من حولنا، وكلّ دعوات التصادم، لا تسلم إلّا إلى الإفقار النظريّ من وجهٍ أول، ولا تترتَّب عنها إلّا العُزلة السياسيّة والتضعضع الاقتصاديّ من وجهٍ ثانٍ… ثمّ إنها لا تؤدِّي، أخيراً، إلّا إلى المزيد من التخلُّف والضعف اللذين يصيبان الدولة والمُجتمع»(12). وهذا ما يفسِّر حال الشتات والتشرذم والتيه في المكان والزمان في المُجتمعات الإسلاميّة التي تتضايق من الحوار والاختلاف والتفاهم، وتعاني من تدني التربيّة الديموقراطيّة وضعف قبول الحوار والاختلاف والتغاير والتواصل الحضاريّ، وتمارس «حروب الإلغاء الرمزيّة على الساحات السياسيّة»، وسياسة الغرور والأنانيّة واللاحوار أو اللااعتراف، بينما يعلمنا الشارح الأعظم أنه «من العدل […] أن يأتي الرجل من الحُجج لخصومه بمثل ما يأتي لنفسه»(13). ذلك أنني «أتحاور مع الآخر، لا لكي يصبح مثلي أو أصير مثله، بل لكي أفيد منه وأغتني به عبر الانخراط في أعمال ومشاريع مشتركة نساهم فيها بتغيير بعضنا بعضاً بصورةٍ متبادلة»(14). دون أن نطالب بأن نصبح نسخاً متشابهة ومشوِّهة لبعضنا البعض. وكما قال المرحوم محمد عابد الجابري: «إنّ الرأي لا يعيش إلّا إذا كان هناك رأيٌ آخر يخالفه، أمّا إذا قال الجميع «آمين»، فتلك علامة من علامات انتهاء الدعاء على الميت»(15).
وكأني بالحاملين على الحوار والاختلاف والمُصالحة والماقتين لهذه القيم، وما يدور في فلكها في المُجتمعات الإسلاميّة، يفضلون «حاء» الحصار على «حاء» الحوار! بينما يعلمنا كوجيتو مناخ الوقت المقولة التالية: «أنا أتحاور إذن أنا موجود». فالحوار هو الحلّ الأمثل والمخرَج المعقول من الأمواج المُتلاطمة في يمِّ المُجتمعات العربيّة الإسلاميّة. ونحن نعتقد جازمين بأنّ الخلاف في هذه المُجتمعات، هو «اختباط إخوة تفرَّقت بهم الطرق في السير إلى مقصدٍ واحد»(16)، ولا يرقى إلى «ما بين الثريا والثرى»(17).
الهوامش:
1 – محمد أركون، أين هو الفكر الإسلاميّ المُعاصِر، ترجمة وتعليق هاشم صالح، دار الساقي، الطبعة الثالثة 2006، ص 113.
2 – سعيد بنسعيد العلوي، الإسلام والديموقراطيّة، (المعرفة للجميع)، سلسلة شهرية، العدد 26 أكتوبر – نوفمبر 2002، ص 16.
3 – سعيد بنسعيد العلوي، المرجع نفسه، ص 134.
4 – المرجع نفسه، ص 135.
5 – سعيد بنسعيد العلوي، الإسلام وأسئلة الحاضر، (كتاب الجيب)، منشورات الزمن، العدد 22 يناير 2001، ص 10.
6 – سعيد بنسعيد العلوي، الإسلام والديموقراطية، سبق ذكره ، ص 121.
7 – أبو المعالي الجويني، الكافية في الجدل، تقديم وتحقيق وتعليق فوقية حسين محمود، 1979/1399، ص 511.
8 – محمد أركون، أين هو الفكر الإسلاميّ المُعاصِر، سبق ذكره، ص 113.
9 – أبو الوليد ابن رشد، فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتِّصال، دراسة وتحقيق محمد عمارة، الطبعة الثالثة 1986م، ص 26.
10 – أبو الوليد ابن رشد، المصدر نفسه، ص 28.
11 – أبو يعقوب الكندي، رسائل الكندي الفلسفيّة، تحقيق وتقديم وتعليق محمد عبد الهادي أبو ريدة، القسم الأول، الطبعة الثانية، مطبعة حسان، مصر – القاهرة، ص 32 – 33.
12 – سعيد بنسعيد العلوي، الإسلام وأسئلة الحاضر، سبق ذكره، ص 111.
13 – أبو الوليد بن رشد، تهافت التهافت، (القسم الأول)، تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف، الطبعة الثالثة، ص 373.
14 – علي حرب، «حوار الثقافات والخروج من المأزق: تمرُّس في سياسة معرفيّة جديدة»، مجلّة المُنطلق الجديد، العدد الثالث، صيف خريف 2001 م، ص 106.
15 – محمد عابد الجابري، حوار المشرق والمغرب: نحو إعادة بناء الفكر القوميّ العربيّ، تأليف حسن حنفي ومحمد عابد الجابري، المؤسَّسة العربيّة للدراسات والنشر، الطبعة الأولى 1990، ص 141.
16 – هكذا شبَّه الشيخ محمد عبده خبط المُتكلِّمين أثناء حديثه عن أفعال الله تعالى في كتاب رسالة التوحيد، قدَّم لها وعرَّف عنها وعن مؤلِّفها فضيلة الشيخ حسين يوسف الغزال، دار إحياء العلوم، الطبعة السادسة، 1406هـ- 1986م، ص 70.
17 – أورد هذه العبارة متكلّمنا الأعظم إمام الحرمين في سياق درئه لتهمة مساواة الأشاعرة للمُعتزلة في اختياراتهم. انظر: العقيدة النظاميّة في الأركان الإسلاميّة، تحقيق وتعليق محمد زاهد الكوثري، الناشر: المكتبة الأزهريّة للتراث، 1412هـ- 1992م، ص 59.