جيمس وود..  فنّ المراجعة النقديّة

فخري صالح  |  02 فبراير 2020  |  

في‭ ‬مقالتي‭ ‬السابقة‭ ‬سعيت‭ ‬إلى‭ ‬لفت‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬جنسٍ‭ ‬أدبيّ‭ ‬يبدو‭ ‬شبه‭ ‬غائب‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬المُعاصِرة،‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الأقلّ‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يستأثر‭ ‬بالاهتمام‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحوزه،‭ ‬والمكانة‭ ‬النقديّة‭ ‬التي‭ ‬احتلها‭ ‬في‭ ‬النقد‭ ‬المُعاصِر،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الأنجلوساكسوني،‭ ‬وفي‭ ‬الثقافة‭ ‬الأوروبيّة‭ ‬عامّة‭. ‬كانت‭ ‬المراجعات‭ ‬الأدبيّة‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬تحوُّلات‭ ‬النقد‭ ‬الأدبيّ‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الأوّل‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬جذبت‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬النُقَّاد،‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬بعضهم‭ ‬يعمل‭ ‬خارج‭ ‬المؤسَّسة‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬وبعضهم‭ ‬الآخر‭ ‬يعمل‭ ‬ضمن‭ ‬تلك‭ ‬المؤسَّسة،‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬مراجعات‭ ‬للكتب‭ ‬الصادرة‭ ‬حديثاً‭. ‬وقد‭ ‬قرَّبت‭ ‬تلك‭ ‬المراجعات‭ ‬الأدب‭ ‬الحديث‭ ‬والمُعاصِر‭ ‬إلى‭ ‬الناس،‭ ‬وشكَّلت‭ ‬حلقة‭ ‬وصل‭ ‬بين‭ ‬المؤسَّسة‭ ‬الأكاديميّة‭ ‬والجمهور‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬قرَّاء‭ ‬الصحف‭. ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬أولئك‭ ‬النُقَّاد‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يكتبون‭ ‬تلك‭ ‬المُراجعات‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلّات‭ ‬البريطانيّة‭ ‬والأميركيّة،‭ ‬نالوا‭ ‬من‭ ‬الشهرة‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬ممّا‭ ‬ناله‭ ‬الأكاديميّون‭ ‬الذين‭ ‬اكتفوا‭ ‬بالبقاء‭ ‬خلف‭ ‬أسوار‭ ‬الجامعة‭ ‬يكتبون‭ ‬أبحاثاً‭ ‬شديدة‭ ‬التّخصُّص‭ ‬لا‭ ‬يقرؤها‭ ‬إلّا‭ ‬عددٌ‭ ‬محدودٌ‭ ‬من‭ ‬المُهتمين‭.‬

لكن‭ ‬رغم‭ ‬تقليص‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلّات‭ ‬للأقسام‭ ‬الخاصّة‭ ‬بمراجعات‭ ‬الكتب،‭ ‬وغياب‭ ‬اهتمام‭ ‬كثير‭ ‬منها‭ ‬بهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتصدَّر‭ ‬ملاحقها‭ ‬وحتى‭ ‬صفحاتها‭ ‬اليومية‭ ‬في‭ ‬غابِر‭ ‬الأيام،‭ ‬فقد‭ ‬ظلّت‭ ‬بعض‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلّات‭ ‬البريطانيّة‭ ‬والأميركيّة‭ ‬تهتم‭ ‬بنشر‭ ‬مراجعات‭ ‬مطوَّلة‭ ‬للكتب،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬مجلّة‭ ‬‮«‬لندن‭ ‬ريفيو‭ ‬أوف‭ ‬بوكس‮»‬،‭ ‬و«نيويورك‭ ‬ريفيو‭ ‬أوف‭ ‬بوكس‮»‬‭ ‬اللتين‭ ‬أشرت‭ ‬إليهما‭ ‬في‭ ‬المقالة‭ ‬السابقة‭. ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬هاتين‭ ‬المجلّتين‭ ‬المُتخصّصتين‭ ‬في‭ ‬مراجعات‭ ‬الكتب،‭ ‬وكذلك‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬الغارديان‭ ‬البريطانيّة‮»‬،‭ ‬ومجلّة‭ ‬‮«‬نيويوركر‮»‬‭ ‬الأميركيّة،‭ ‬برز‭ ‬اسم‭ ‬الناقد‭ ‬البريطانيّ‭ ‬‮«‬جيمس‭ ‬وود‭ ‬James Wood‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يُنظَر‭ ‬إليه‭ ‬بوصفه‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬ألمع‭ ‬مراجعي‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬عصرنا،‭ ‬وأكثرهم‭ ‬مقروئية،‭ ‬وأقربهم‭ ‬في‭ ‬نقده‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬تطوُّر‭ ‬النقد‭ ‬الأنجلوساكسوني‭ ‬الذي‭ ‬يهتم‭ ‬بتحليل‭ ‬النصّ‭ ‬والقراءة‭ ‬المُتفحصة‭ ‬السابرة‭ ‬للعمل‭ ‬الأدبيّ،‭ ‬والاهتمام‭ ‬بالتفاصيل‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمسائل‭ ‬الجمالية‭ ‬التي‭ ‬تهملها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬تيارات‭ ‬النظريّة‭ ‬الأدبيّة‭ ‬المُعاصِرة،‭ ‬مركِّزةً‭ ‬بصورةٍ‭ ‬أساسيّة‭ ‬على‭ ‬الشروط‭ ‬السياسيّة‭ ‬والأيديولوجيّة‭ ‬والثقافيّة‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬النصّ‭ ‬ممكناً‭. ‬وبغضِّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬النقد‭ ‬الموجَّه‭ ‬إلى‭ ‬جيمس‭ ‬وود،‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬تيارات‭ ‬النقد‭ ‬الثقافيّ‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬الكولونيالي‭ ‬والنسوي،‭ ‬بوصفه‭ ‬ناقداً‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬عتيق‭ ‬يهتم‭ ‬بجماليات‭ ‬النصّ‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬شروطه‭ ‬الأيديولوجيّة‭ ‬والاجتماعيّة‭ ‬والثقافيّة،‭ ‬فقد‭ ‬احتلّ‭ ‬الناقد‭ ‬الإنجليزيّ،‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬أميركا‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬ويعمل‭ ‬أستاذاً‭ ‬لـ«الممارسة‭ ‬النقديّة‭ – ‬Practice of Criticism‮»‬‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬‮«‬هارفارد‮»‬‭ ‬الأميركيّة،‭ ‬مكانة‭ ‬رفيعة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الأدبيّ‭ ‬في‭ ‬أميركا‭. ‬ولم‭ ‬يَحُل‭ ‬دون‭ ‬صعود‭ ‬نجمه‭ ‬سيطرةُ‭ ‬تيارات‭ ‬النظريّة،‭ ‬التي‭ ‬تهمل‭ ‬الجماليّات‭ ‬لصالح‭ ‬دراسة‭ ‬آليات‭ ‬الهيمنة‭ ‬والتمييز‭ ‬والسعي‭ ‬إلى‭ ‬قراءة‭ ‬ميراث‭ ‬الاستعمار‭ ‬وجرحه‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬المُستَعمَرين،‭ ‬وكذلك‭ ‬قراءة‭ ‬التمييز‭ ‬ضد‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬الآداب‭ ‬الغربية‭ ‬المُعاصِرة‭.‬

فخري صالح (الأردن)

بدأ‭ ‬جيمس‭ ‬وود‭ (‬مواليد‭ ‬1965‭) ‬الكتابة‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬العشرينات‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬الغارديان‮»‬‭ ‬البريطانية،‭ ‬وأصبح‭ ‬ناقدها‭ ‬الأوّل،‭ ‬ثم‭ ‬انتقل‭ ‬بعدها‭ ‬ليصبح‭ ‬مُحرِّراً‭ ‬رئيسيَّاً‭ ‬في‭ ‬مجلّة‭ ‬‮«‬نيو‭ ‬ريبَبْلِك‭ ‬New Republic‮»‬‭ ‬الأميركيّة،‭ ‬وهو‭ ‬الآن‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬مجلّة‭ ‬‮«‬نيويوركر‮»‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬عمله‭ ‬أستاذاً‭ ‬في‭ ‬‮«‬هارفارد‮»‬‭. ‬ومع‭ ‬أنه‭ ‬أصدر‭ ‬روايتين،‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬شهرته‭ ‬وإسهامه‭ ‬الحقيقيّ‭ ‬يصدران‭ ‬من‭ ‬مراجعاته‭ ‬النقديّة‭ ‬ومقالاته‭ ‬المطوَّلة‭ ‬التي‭ ‬ينشرها‭ ‬عن‭ ‬الكتب‭ ‬والمُؤلِّفين،‭ ‬خصوصاً‭ ‬الروائيين‭ ‬منهم،‭ ‬ممَّنْ‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬العصور‭ ‬السابقة،‭ ‬أو‭ ‬أولئك‭ ‬المُعاصِرين‭ ‬لنا‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬نشرها‭ ‬‮«‬وود‮»‬‭ ‬تضمُّ‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬مراجعاته‭ ‬النقديّة‭ ‬التي‭ ‬نشرها‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬ومجلّات‭ ‬مراجعات‭ ‬الكتب‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬اكتفاءه‭ ‬بهذا‭ ‬النشاط،‭ ‬وعدم‭ ‬انغماسه‭ ‬في‭ ‬المؤسَّسة‭ ‬الأكاديميّة،‭ ‬أو‭ ‬انقطاعه‭ ‬لكتابة‭ ‬دراسات‭ ‬يغلب‭ ‬عليها‭ ‬الطابع‭ ‬الأكاديميّ‭ ‬النظريّ،‭ ‬تنبع‭ ‬مما‭ ‬أعدَّ‭ ‬نفسه‭ ‬له‭ ‬منذ‭ ‬الصبا‭. ‬لقد‭ ‬أراد،‭ ‬كما‭ ‬يُشير‭ ‬في‭ ‬مقابلات‭ ‬أُجريت‭ ‬معه،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مراجع‭ ‬كتب‭ ‬يكتب‭ ‬عن‭ ‬الروائيين‭ ‬الذين‭ ‬يحبهم،‭ ‬ويجلُّهم،‭ ‬ويرى‭ ‬فيهم‭ ‬تأوُّج‭ ‬فنّ‭ ‬الرواية‭ ‬وصعودها‭ ‬كشكلٍ‭ ‬أدبيّ‭. ‬وهو،‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الشغف،‭ ‬يقرأ‭ ‬الرواية‭ ‬بعين‭ ‬ناقدٍ‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬سرِّ‭ ‬الكتابة‭ ‬الروائية،‭ ‬وكأنه‭ ‬يرقد‭ ‬تحت‭ ‬جلد‭ ‬مبدعها‭ ‬ليرى‭ ‬كيف‭ ‬تشكَّل‭ ‬ذلك‭ ‬العالم‭ ‬الروائيّ‭ ‬وتحوَّلت‭ ‬تفاصيله‭ ‬وشخصيّاته‭ ‬وتقنياته‭ ‬إلى‭ ‬كونٍ‭ ‬أشبه‭ ‬بالواقع‭. ‬وليس‭ ‬غريباً،‭ ‬إذاً،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬روائيُّه‭ ‬المُفضَّل‭ ‬هو‭ ‬الكاتب‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬غوستاف‭ ‬فلوبير‭ (‬الذي‭ ‬يعثر‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬على‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭ ‬أنجزته‭ ‬الرواية‭ ‬الحديثة‭)‬،‭ ‬وأن‭ ‬يمقت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬روائيي‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة‭.‬

في‭ ‬كتاب‭ ‬جيمس‭ ‬وود‭ ‬‮«‬كيف‭ ‬تعمل‭ ‬الرواية‭ ‬How Fiction Works‮»‬،‭ ‬الصادر‭ ‬عام‭ ‬2008،‭ ‬نصٌّ‭ ‬نقديٌّ‭ ‬لافت‭ ‬يشرح‭ ‬أسرار‭ ‬الصُنع‭ ‬الروائيّ‭ ‬ومفاصله‭ ‬الجوهرية‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬لغةٍ‭ ‬نظريّة‭ ‬مُعقَّدة‭. ‬النظريّة‭ ‬موجودة‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬ثنايا‭ ‬الاستعراض‭ ‬الثري‭ ‬بالمعرفة‭ ‬للروايات‭ ‬والشخصيات‭ ‬وأشتات‭ ‬اللُّغات‭ ‬والأساليب‭ ‬والتقنيات‭ ‬التي‭ ‬يسلّط‭ ‬الضوء‭ ‬عليها‭ ‬هذا‭ ‬الناقدُ‭ ‬الواسع‭ ‬المعرفة‭ ‬والاطلاع‭ ‬على‭ ‬الرواية‭ ‬الغربيّة‭. ‬وهو‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬روائيٌّ‭ ‬في‭ ‬ثياب‭ ‬ناقد،‭ ‬ولذلك‭ ‬يُفضِّل‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الدمج‭ ‬بين‭ ‬تأمُّلات‭ ‬الروائيّ‭ ‬والتفحُّص‭ ‬السابر‭ ‬للنصوص‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يُقيم‭ ‬حواراً‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬مع‭ ‬ناقدين‭ ‬أساسيين‭ ‬عارفين‭ ‬بأسرار‭ ‬الصنع‭ ‬الروائيّ،‭ ‬هما‭ ‬الناقد‭ ‬الشكلاني‭ ‬الروسيّ‭ ‬فكتور‭ ‬شكلوفسكي‭ ‬والناقد‭ ‬البنيوي‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬البنيوي‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬‮«‬رولان‭ ‬بارت‮»‬،‭ ‬لأنهما،‭ ‬بسبب‭ ‬اهتمامهما‭ ‬بالشكل،‭ ‬يصنعان‭ ‬صنيع‭ ‬الروائيين‭ ‬الذين‭ ‬يعنون‭ ‬بالأسلوب‭ ‬والكلمات‭ ‬والاستعارات‭ ‬والصور‭. ‬يركِّز‭ ‬وود،‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التأثير،‭ ‬على‭ ‬فنّ‭ ‬الحكي‭ ‬والتفاصيل‭ (‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬عملاً‭ ‬روائيَّاً‭ ‬يتفرَّد‭ ‬عن‭ ‬عملٍ‭ ‬روائيٍّ‭ ‬آخر‭)‬،‭ ‬والشخصيّة،‭ ‬وأنواع‭ ‬اللّغات،‭ ‬والحوار،‭ ‬والأسلوب‭ ‬الحُر‭ ‬غير‭ ‬المباشر،‭ ‬مستنتجاً،‭ ‬من‭ ‬تركيزه‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬غوستاف‭ ‬فلوبير،‭ ‬أن‭ ‬تطوُّر‭ ‬الرواية‭ ‬يتمثَّل‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬في‭ ‬تطوُّر‭ ‬هذه‭ ‬التقنية‭ ‬السردية،‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬تاريخ‭ ‬الكتابة‭ ‬الروائية،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬‮«‬دون‭ ‬كيخوته‮»‬‭ ‬للروائيّ‭ ‬الإسبانيّ‭ ‬العظيم‭ ‬ميغيل‭ ‬دي‭ ‬سيرفانتيس‭. ‬

في‭ ‬‮«‬كيف‭ ‬تعمل‭ ‬الرواية‮»‬‭ ‬نعثر‭ ‬على‭ ‬حشدٍ‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الروائيين‭ ‬عبر‭ ‬ما‭ ‬يربو‭ ‬على‭ ‬أربعة‭ ‬قرون‭ ‬من‭ ‬الرواية‭: ‬سيرفانتيس،‭ ‬دانييل‭ ‬ديفو،‭ ‬هنري‭ ‬فيلدنغ،‭ ‬دينيس‭ ‬ديدرو،‭ ‬جين‭ ‬أوستن،‭ ‬ستندال،‭ ‬بلزاك،‭ ‬ديكنز،‭ ‬فلوبير،‭ ‬تولستوي،‭ ‬دستويفسكي،‭ ‬هنري‭ ‬جيمس،‭ ‬موباسان،‭ ‬تشيخوف،‭ ‬توماس‭ ‬مان،‭ ‬جوزيف‭ ‬كونراد،‭ ‬مارسيل‭ ‬بروست،‭ ‬جيمس‭ ‬جويس،‭ ‬فيرجينيا‭ ‬وولف،‭ ‬إيفلين‭ ‬وو،‭ ‬نابوكوف،‭ ‬تشيزاري‭ ‬بافيسي،‭ ‬صول‭ ‬بيللو،‭ ‬في‭. ‬إس‭. ‬نايبول،‭ ‬جون‭ ‬أبدايك،‭ ‬توماس‭ ‬بينشون،‭ ‬خوسيه‭ ‬ساراماغو،‭ ‬فيليب‭ ‬روث،‭ ‬كازو‭ ‬إيشيغورو،‭ ‬إيان‭ ‬ماك‭ ‬إيوان،‭ ‬جي‭. ‬إم‭. ‬كويتسي،‭ ‬ديفيد‭ ‬فوستر،‭ ‬والاس،‭ ‬وآخرين‭.‬

في‭ ‬كتب‭ ‬وود‭ ‬الأخرى‭: ‬الأرض‭ ‬المُحطمة‭: ‬مقالات‭ ‬عن‭ ‬الأدب‭ ‬والإيمان‭: ‬‮«‬The Broken Estate Essays on Literature and Belief‮»‬‭ (‬1999‭)‬،‭ ‬‮«‬الذات‭ ‬غير‭ ‬المسؤولة‭: ‬عن‭ ‬الضحك‭ ‬والرواية‭ ‬The Irresponsible Self‭: ‬On Laughter and the Novel‮»‬‭ (‬2004‭)‬،‭ ‬وأخيراً‭: ‬‮«‬ملاحظات‭ ‬جادَّة‭: ‬مقالات‭ ‬مختارة‭ ‬Serious Noticing‭: ‬Selected Essays‮»‬‭ (‬1997-‭ ‬2019‭) (‬2020‭)‬،‭ ‬نعثر‭ ‬على‭ ‬الجدية‭ ‬نفسها،‭ ‬وملاحقة‭ ‬التفاصيل،‭ ‬والتعليقات‭ ‬الذَّكيّة‭ ‬التي‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬عمل‭ ‬الروائي،‭ ‬والملاحظات‭ ‬التي‭ ‬تضيء‭ ‬الإبداع‭ ‬الروائيّ،‭ ‬وتجعل‭ ‬القارئ‭ ‬يرى‭ ‬ذلك‭ ‬العمل‭ ‬بعيني‭ ‬الناقد‭. ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬يكفُّ‭ ‬العمل‭ ‬النقديّ‭ ‬عن‭ ‬كونه‭ ‬عملاً‭ ‬ثانويَّاً،‭ ‬مجرَّد‭ ‬تعليق‭ ‬على‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبيّة،‭ ‬ليصبح‭ ‬جنساً‭ ‬أدبيَّاً‭ ‬في‭ ‬حَدِّ‭ ‬ذاته‭.‬

مواضيع مرتبطة

فنّ لعب كرة القدم
ترجمة: عبدالله بن محمد 10 نوفمبر 2022
نسخة استثنائية في رحاب ثقافتنا
مجلة الدوحة 10 نوفمبر 2022
دموع الفوتبول
دموع الفوتبول 09 نوفمبر 2022
جابر عصفور.. التراث من منظور الوعي بالحاضر
حسن مخافي 07 سبتمبر 2022
القاضي والمتشرِّد لأحمد الصفريوي.. حين لا تكون الإثنوغرافيا سُبّة
رشيد بنحدو 02 يناير 2022
فيليب باربو: اللّغة، غريزة المعنى؟
ترجمة: مروى بن مسعود 02 يناير 2022
رسالة إلى محمد شكري: الكتابة بيْن الصمت والثرثرة
محمد برادة 02 يناير 2022
إشكاليةُ اللّغةِ العربيّةِ عندَ بعضِ الأُدباءِ والإعلاميين
د. أحمد عبدالملك 15 ديسمبر 2021
محمد إبراهيم الشوش.. في ظِلّ الذّاكرة
محسن العتيقي 01 نوفمبر 2021
بورخيس خَلَفًا للمعرّي
جوخة الحارثي 06 أكتوبر 2021

مقالات أخرى للكاتب

وَهْم الحضور في لغات العالم المركزية
06 يناير 2021

يتهافت الكُتّاب العرب، وغير العرب، أيضاً، على الترجمة؛ أي على نقل أعمالهم التي ينتجونها، بلغاتهم الأمّ، إلى لغات أخرى، طمعاً في الانتشار وكسب قرّاء جدد، وتحصيل شهرة، قد لا يجدونها في ثقافاتهم وديارهم. وقد تبلغ الرغبة في الحضور، في الثّقافات الأخرى، خصوصاً...

اقرا المزيد
فايز صُيّاغ.. رحيل مثقَّف موسوعيّ
29 أغسطس 2020

ما يحفظ للثقافة العربية حضورَها وحيويَّتها، في الوقت الراهن، ثلَّةٌ قليلةٌ من المبدعين والمثقَّفين، الذين يتوزَعون على حواضر العالم العربية وأطرافه، واصلت، خلال العقود القليلة الماضية، العملَ الثقافي من العيار الثقيل، العميق والسابر، والقادر على وصل...

اقرا المزيد
إلياس فركوح.. في أقصى درجات العزلة
02 أغسطس 2020

عكف الكاتب الأردني الراحل إلياس فركوح (1948 – 2020)، على مدار مجموعاته القصصية السبع، على تطوير تجربته والغوص داخل شخصياته القصصية، محاولاً التعرف على الواقع الاجتماعي – السياسي الذي تتحرك ضمنه هذه الشخصيات. وقد اتسم عمله منذ بداياته الأولى بجَدْل الأرضية...

اقرا المزيد
استعادة غالب هلسا، بعد ثلاثين عاماً من الغياب
01 يوليو 2020

عقود ثلاثة انقضت منذ رحيل الكاتب والروائي الأردني الكبير غالب هلسا الذي ولد ومات في اليوم نفسه (18 ديسمبر/كانون أول 1932 – 18 ديسمبر/كانون أول 1989)، وقد غادر بلده عام 1956، مُلاحقاً لكونه عضواً في الحزب الشيوعي الأردني، وعاد إليه في كفن بعد وفاته بأزمة قلبية في...

اقرا المزيد
دوائر العُزلة
19 يونيو 2020

لا شيء يُشبه ما نعيشه الآن على صعيد الذاتِ والعَالَم؛ الفردِ والمجتمع؛ الكياناتِ السياسيّة ممثّلةً في الدولةِ القوميّة والمجتمعِ الدوليّ الأوسع الذي تُقيم معه هذه الدولةُ علاقاتٍ سياسيّة وتجاريّة وثقافيّة ورياضيّة. فالكوكب كلّه يجد نفسه يتجه من الخارج...

اقرا المزيد
في ظلال كوفيد.. حق «الحياة العارية»
13 مايو 2020

فيما يقبع ما يُقارب نصف سكّان العالم وراء جدران بيوتهم، وتُقفر الشوارع من سكانها، وتحطُّ الطائرات في مهاجعها، ويكفُّ العالم عن الحركة، تبدو البشريّة وكأنها على أهبة قطيعة تاريخيّة مع ماضيها وحاضرها. لقد أجبرها فيروس كورونا (حاكم الأرض الجديد كوفيد- 19) على...

اقرا المزيد