حسن أوريد: الرواية التاريخية في مأمن من الرقابة

| 26 مايو 2021 |
يعد المفكِّر والكاتب المغربي حسن أوريد من بين أهمّ الشخصيات السياسية والفكرية البارزة في المغرب. عُيِّن مستشاراً في سفارة المغرب في واشنطن، قبل أن يُعَيَّن، عام (1999)، ناطقاً رسمياً باسم القصر الملكي حتى يونيو/ حزيران (2005)، وتَمَّ تعيينه، لاحقاً، محافظاً (والياً) على جهة مكناس، قبل أن يصبح مؤرِّخاً للمملكة في نوفمبر/تشرين الثاني (2009)، وظلّ في ذلك المنصب لمدّة عام واحد.
صدر لحسن أوريد الروائي: «الحديث والشجن»، «الموريسكي»، «صبوة في خريف العمر» و«سيرة حمار»، بالإضافة إلى ديوانين شعريَّيْن هما «يوميّات مصطاف»، و«فيروز المحيط»…
في هذا الحوار، يتحدَّث حسن أوريد عن تجربته السردية، وموقفه من الجدل الذي أثارته بعض رواياته، كما يطرح توقّعاته المستقبلية على ضوء الوضع الراهن، وتراجع دور المثقَّف في العالم…
ما الهاجس الذي يدفعك للكتابة؟، ولماذا تكتب؟، وماذا تنتظر؟
– أعتقد أن ما يطبع من يختار الكتابة هو القلق الوجودي. نعم أنا شخصية قلقة. شخصية مسكونة بالسؤال؛ ولذلك أنقل جزءاً ممّا يعتمل في ذهني إلى المكتوب، وهذه العلمية هي نوع من الترويح، أوما يسمّى، في العلوم النفسية بـ«التطهير النفسي – catharsis» في أصلها الإغريقي، وأعتقد أن ما نحتاجه، في مجتمعاتنا، هو السعي للفهم. الفهم متعة كما يقول «سبينوزا».
كيف تقرأ ما يعيشهُ العالم، اليوم، من منطلق فكري؟
– لن أضيف جديداً ممّا قيل وكُتِب. البشرية على مشارف تحوُّل عميق. أعتقد أن أهمّ ما طرأ على البشرية، في العشرين سنة الأخيرة، هو الإنترنت الذي محا المسافة، وخلق ثورة رقمية غير معهودة، ثم جائحة «كوفيد – 19» التي قلبت الموازين كلّها. كيف يُتَصوَّر أن يعيش نصف البشرية في الحجر الصحّي؟ أكيد أن التداعيات الاقتصادية لجائحة «كورونا» ستكون كبيرة، لكن أثرها لن يكون اقتصادياً فقط. أبانت الأزمة على ضرورة الدولة، وعلى حَدّ ضروري من الاستقلال الاقتصادي. على المدى القصير، ستعيش البشرية ظروفاً صعبة، كما حال المدمن حين يُحرم ممّا اعتاد أن يتعاطاه، لكني أعتقد، أننا، على المدى المتوسِّط، سننتهي إلى ضبط الاختلالات الناتجة عن عولمة من غير ضوابط، وننتهي إلى التمييز بين المال والثروة، وهذا- في تصوُّري- شيء مهمّ.
ما وقعُ هذا الوباء على الفكر البشري؟
– هناك سابقة الطاعون الأسود، في أوروبا، في القرن الرابع عشر الميلادي. لقد كانت تحوُّلاً في مسار أوروبا. حدّ الطاعون من نظرية القدَر، وما كانت تدعو له الكنيسة من الخضوع والاستسلام لواقع الحال. أخذت سلطة الكنيسة تتقلَّص جرّاء الوباء. لربّما أننا نعيش هيمنة كنيسة من نوع جديد، وهي المؤسَّسات الماليّة التي تتكلَّم باسم الدين الجديد (أعني الاقتصاد) من أجل الثواب الجديد الذي هو الربح. لا بدّ أن نُخضِع الاقتصاد للفكر، فالاقتصاد في خدمة الإنسان، لا الإنسان في خدمة للاقتصاد.
في تصوُّرك،، هل سيتغيَّر حال العالم بعد الخلاص من هذا الوباء؟
– نعم سيتغيَّر. رؤًى كثيرة كانت بمنزلة يقينيّات، أصبحت موضع تساؤل. لكن السؤال المهم ليس في تغيُّر سُلَّم الأولويّات والقيم والخيارات، ذلك أن الغرب انتقل من الليبرالية المفرطة في بداية القرن الماضي حتى حدود أزمة (1929)، ثم إلى الدول المتدخِّلة مع نظرية «كينز»، ليعود مع المدرسة الاقتصادية الليبرالية إلى شيكاغو، إلى النيوليبرالية. الذي سيغيِّر ليس النظريات أو الأيديولوجيا، أو سُلَّم الأولويات، فقط، بل أوضاع الفاعلين. هل ستبقى هينة الغرب مستمرّة؟ هل ستبقى المجموعة الأوروبية متَّحدة؟ وهذه التغييرات ستؤثِّر في العالم العربي، الذي سيتغيَّر كذلك. وأتمنّى أن يتغيَّر إيجابيّاً.
ما تقييمك للحركة الثقافية والمشهد الإبداعي في المغرب؟ وهل هي قادرة على استيعاب كلّ التجارب الإبداعية؟
– قد لا يكون حكمي موضوعياً. ربّما نعيش ما يعيشه العالم من ضمور الثقافة الهادفة والرصينة، لفائدة ثقافة المتعة والتسلية. غلبت علينا المهرجانات، وقَلَّ الفكر، ولا أرى أن تنفصل الثقافة عن الفكر.
هناك من يتحدَّث عن تراجع دور المثقَّف المغربي، مقارنةً بالستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات. كيف ترى وضع الثقافة والمثقَّفين، ودرجة تأثيرهم في حاضر البلد، بشكل خاصّ؟
– تراجع دور المثقَّف المغربي مثلما تراجع دور المثقَّف في العالم. أزاح الخبير الذي يحمل أجوبة أو خبرة دور المثقَّف الذي يطرح الأسئلة، كما أزاح الصحافي، بحضوره المكثَّف، دور المثقَّف الذي ينبغي أن يرسم مسافة مع الأشياء والأشخاص والظواهر، والذي عليه أن يتروّى قبل أن يصدر حكماً، على خلاف الصحافي، أو المحلّل الصحافي الذي هو تحت ضغط الأحداث.
هذه كلّها معطيات موضوعية حدّت من دور المثقَّف عموماً، ويضاف إلى ذلك تراجع الجامعة. أوضاع الجامعة في المغرب (ولا أستطيع أن أتكلَّم عن أوضاعها في بقيّة بلدان العالم العربي، ولكني أقدّر أنها متشابهة) ليست في مستوى ما نطمح إليه، فكيف يمكن أن يبرز المثقَّف إن لم تكن هناك بنية حاضنة ؟
يمكن أن أضيف عاملاً، هو الثقافة السياسة في المغرب كما في العالم العربي، والتي تغيَّرت في العشرين سنة الأخيرة. توارى الفكر النقدي لصالح أفكار عامّة من قبيل المسلَّمات، أو المعتقدات، وطغيان خطاب الهويّة. خطاب الهويّة لا يساعد في ظهور فكر، بل في بروز نشطاء. وحدث شيء آخر في المغرب، وربّما في الجزائر، هو انشطار ما بين المثقَّف المُكوّن باللّغة العربية، والمثقَّف المكوَّن باللّغة الفرنسية، في حين كان الجيل السابق يتقن، في الغالب، اللُّغتين، ولم يكن ثمّة تنافر بينهما، وكان أغلب المثقَّفين المغاربة، قبل جيل، يكتبون بالعربية، ويتقنون الفرنسية التي كانت مصدر غنًى، وكانوا يرتبطون بما يسمّيه الفيلسوف الفرنسي «ليوتار» بالسرد الكبير، أي مرجعية سياسية وفكرية ناظمة. غياب سرد كبير أو مرجعية فكرية وسياسة، أدَّيا إلى ضمور دور المثقَّف. هذه، في اعتقادي، بعض الأسباب لتراجع دور المثقَّف المغربي.
حدِّثنا عن روايتك «رباط المتنبّي» التي وصلت إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» (2020)؟
– كتبت رواية «رباط المتنبّي» وفاءً لشيء اعتَوَر حياتي الدراسية، وهو أن المتنبّي كان جزءاً من التربية التي تلقَّيتها. في مسرى الحياة الثقافية، ننتقل من مستعير إلى شخص عليه أن يفي بالدَّين؛ لذلك كان لزاماً عليَّ أن أؤدّي دَين ما تلقَّيته. لكن المسألة مرتبطة بشيء أعمق من الوفاء بدَيْن، وهو السؤال: هل يمكن للتراث أن يكون حلّاً؟ من منظوري، التراث ليس حلّاً ولا عبئاً. يمكن أن يساعدك كأرض صلبة تضع عليها قدمك، ولكنّ ذلك لا يمنع من السير قُدماً، ولكن شريطة استعادة التراث، والاستعادة تتمّ من خلال قراءة نقديّة له، كما أن التراث ليس عبئاً مثلما كان ينادي أصحاب الطاولة الجرداء، أو من انتصبوا ضدّ التراث والتقاليد؛ ولذلك كانت روايتي حواراً ومساءلة بين بطل الرواية والمتنبّي، وقد حَلَّ في عصرنا عند مثقَّف من المغرب، أو رباطه، ويُجْري كلاهما قراءة نقدية للثقافة العربية.
ما الكتب التي اعتمدتها في كتابة الراوية؟
– لم أكن أُجري بحثاً كي أوسِّع مجال قراءاتي عن المتنبّي. كان عليَّ أن أعود إلى الديوان، وعدت إلى كتاب «مع المتنبّي» لطه حسين، وإلى كتاب محمود شاكر عن المتنبّي، بالإضافة إلى ما كَتَب فرنسي من أصل سوري، سبق أن ترجم بعض أشعار المتنبّي إلى الفرنسية.
كم من الوقت استغرقته في كتابة رواية « رباط المتنبّي»، وجمع المادّة الخاصّة بها؟
– كتبته على مرحلتَيْن؛ المرحلة الأولى في أثناء صيف (2017)، وهي تحوي القسم الأوّل عموماً، ثم توقَّفت بعدها. لم يسعفني الخيال، وكدت أعدل عن العمل. حين بدأت العمل كنت في عطلة صيفية بشاطئ مدينة الجديدة جنوب الرباط، وصحبت معي ديوان المتنبّي، وكتاب طه حسين عنه، وكنت أقرأ ما أكتب لصديق كان استضافني في بيته مع زوجته، لقضاء عطلة الصيف.أشتغل صباحاً، ثم نذهب، سويّاً، إلى مطعم شعبي لتناول السمك، فيسألني: أين وصل المتنبّي؟، فنمزح. عدت من العطلة، وتوقَّفت عن العمل، وحدث أن مات ذلك الصديق في يناير (2018)، وأصبحت الكتابة عن المتنبّي وفاءً لذكرى ذلك الصديق الذي لم يُتَحْ له أن يقرأ عملي. عدت برؤية أخرى، وقد يلاحظ القارئ تمايز القسمَيْن؛ الأوَّل والثاني. لو كنت في وضع عاديّ لربّما تريَّثت قبل أن أنشره، لأن فيه، أحياناً، طريقة فجّة في الحكم على قضايا معيَّنة. لم أرسم مسافة كافية مع ما كتبته لأوَّل وهلة. أعتقد أن على الكاتب، لمّا يفرغ من عمل ما، أن ينساه لكي يعود إليه بنظرة أخرى. أنا لم أقم بذلك. كانت لي أولويّات؛ هي الوفاء لذكرى صديق باستكمال ما بدأته عن المتنبّي.
يرى البعض أن الكثير من أعمالك الروائية تعتمد على الرواية التاريخية..
– هذا حكم عامّ، يجريه عليَّ كثير من النقَّاد. والحال أن لي أعمالاً لم أوظِّف فيها التاريخ بل الحاضر. ولنفرض أن ذلك هو السمة الطاغية في أعمالي، هل هناك ما يمنع من توظيف التاريخ؟ الرواية التاريخية ليست تاريخاً، بل هي رواية، وينبغي أن تُقرأ على أنها رواية، لكن يمكن أن أجيبك على سؤالك، لا بصفتي كاتباً أو ناقداً، بل بصفتي أستاذاً للعلوم السياسية، عن السبب الذي يجعل الشعوب تهفو إلى التاريخ وما يرتبط به؛ ذلك أن الشعوب لا تعود إلى التاريخ إلّا حين يثقل عليها الحاضر بإشكالاته، كي تستشرف المستقبل. هناك قلق وجودي، ولذلك تعود المجتمعات إلى التاريخ، في صيغة مبسَّطة ممتعة. والمسألة الثانية هي أن الرواية التاريخية تكون في مأمن من الرقابة، والأسوأ من الرقابة الذاتية.
ما هي الإشكاليات التي من الممكن أن تقابل من يتصدّى لكتابة رواية تاريخية، من وجهة نظرك؟
– ليس هناك إشكالية مخصوصة. في «الموريسكي» وهو عمل طبعته الهيئة العامّة للكتاب في مصر، مشكورةً، أطرح قضية إنسانية لمُهجّرين من الأندلس، ويمكن أن تكون قصّة أي مُهجّرين آخرين في الزمان والمكان. وأعتقد أني أسهمت في التعريف بهذا الفصل التراجيدي، وهناك عدّة كتابات إبداعية عن مأساة المهجَّرين الأندلسيِّين هنا في مصر، وهي أكثر من أن يحصيها العدّ، منها- على سبيل المثال- «ثلاثية غرناطة» للمرحومة رضوى عاشور، وهو عمل جبّار ورائع. لكني، إلى جانب ذلك، طرحت في رواية «الموريسكي» قضية المثقف والسلطة، وتصادم الحضارات. طبعاً، من منظوري، لا معنى للرواية إن لم تطرح قضايا فكرية. نحن مجتمعات تعيش وضعاً انتقالياً، ويتعيَّن أن نفكِّر في الواقع، ونجري نظرة نقدية على الماضي كي نستطيع أن نبني المستقبل. لا أكتب من أجل الإمتاع والمؤانسة.
حدِّثنا عن ظروف كاتبة روايتك « الحديث والشجن»، ولماذا هي الأقرب إليك؟
– هي الأحبّ إليَّ، نعم؛ لأنها أوَّل عمل لي، ولأنها تطرح قضية انتهاء عهد الإيدلوجيات بعد سقوط جدار برلين، وترنُّح القومية العربية بعد حرب الخليج، وبزوغ خطاب الهويّات. يمازحني بعض الأصدقاء بالقول إن أحسن ما كتبت هو «الحديث والشجن». لا أدري. ما يستهوي في العمل هو طرح قضايا معقَّدة بشكل مبسَّط، من خلال سَرْدَيْ رجل وامرأة.
من يقرأ رواية «الحديث والشجن» يجدها أقرب إلى السيرة الذاتية. وغالباً ما تكون السيرة الذاتية هي آخر ما يخطّه قلم الكاتب، فهل «الحديث والشجن» ستوقِّع آخر ما يكتب حسن أوريد؟
– البطل في الرواية يموت، فكيف تكون سيرة ذاتية إن مات البطل وأنا حيّ، إلّا إن كنت ميِّتاً؟! فيها جزء مني من الناحية الفكرية، لكن الأحداث من نسج الخيال، ولو أن فيها إحالات حقيقية، لأحداث وأشخاص. قد تكون سيرة ذاتية، من الناحية الذهنية، لشخص عانق رؤى في مسرى حياته، ووجد أن تلك الرؤى نفقت؛ أعني الاشتراكية القومية العربية.
لقد أثارت روايتك « سيرة حمار» جدلاً واسعاً. هل كان ذلك بسبب الفترة الزمنية التي تتناولها؟
– الذي دفعني لكتابة هذا العمل هو ما انتهى إليه الربيع العربي من انتكاسة. تجري أحداث الرواية حينما كانت شمال إفريقيا تحت الحكم الروماني. تلقّى البطل تكويناً متيناً في الفلسفة الإغريقية والآداب اللاتينية والقانون الروماني، في قرطاج وروما، وعاد إلى بلدته «وليلي» التي كانت عاصمة لما كان يسمّى «موريتانيا»، أي القسم الشمالي من المغرب الحالي، وحدث أن أحَبََّ ما لا ينبغي له أن يحبّ؛ زوجة السيناتور. وكانت لها خادمة قبطية، وأسرّت له محبوبته أن يتناولا محلولاً يحيلهما إلى طائرين كي يطيرا إلى الإسكندرية، وكانت بمنزلة نيويورك أوباريس، في ذلك العهد. والذي حدث أنه لمّا تناول المحلول تحوَّل إلى حمار؛ بمعنى أنه انفصل عمّا يشكِّل شخصيته العميقة. في سيرته الحيوانية، سيقع في هوى أتان (أنثى الحمار)، ولم تكن تلك الأتان إلا المرأة القبطية وقد تحوَّلت هي أيضاً. سينتهي به الأمر إلى أن يستعيد شخصيَّته، ويصبح إنساناً من جديد، ويرتبط بالمرأة القبطية أو المصرية. أردت أن أدلّل على الوشائج العميقة بين مصر وشمال إفريقيا، في عملي هذا.
روايتك «رواء مكة» أثارت، أيضاً، الكثير من الجدل؟
– لم أبحث عن الإثارة، ولم أسعَ إليها. العمل ليس رواية، بل يمكن أن نعتبره رحلة وجدانية. المبدأ الذي أنطلق منه هو أن العمل، حين يُنشَر، يصبح مُلْكاً للقرّاء، أو ما يسمِّيه الناقد الفرنسي «رولان بارث» موت الكاتب. الناس أحرار في قراءته، لكني كنت أتمنّى لو أمسَك بعض الأشخاص عن النيل من شخصي، وأن يوجِّهوا نقدهم للعمل لا للشخص.
هل تسعى أعمالك الروائية مثل «رباط المتنبي»، و«الحديث والشجن»، و«صبوة في خريف العمر»، و«الموريسكي»، و«سيرة حمار»، و«الأجمة». و«رواء مكة» إلى طرح الأسئلة، أم إلى محاولة الإجابة عليها؟
– لا، ليس بالضرورة. المجال الذي أطرح فيه الأسئلة هو الكتابات الفكرية. لئن كنت أطرح قضايا فكرية، في أعمالي الروائية، فلا يمكنها أن تتحوَّل إلى أعمال فكرية بحتة. سيفقدها ذلك رونقها، والغاية من كل عمل روائي هي المتعة. على خلاف الأعمال الفكرية، حيث نتوخّى الفائدة، أوَّلاً، أرى أن الأولويّة التي ينبغي أن ينصرف إليها العمل الثقافي، في مجتمعاتنا، هو الفكر. هو الأولوية، وطرح الأسئلة العميقة: لماذا نحن في الوضعية التي نحن فيها؟ لِمَ تعثَّرت مشاريع التحديث؟ ما العوائق؟ وهذا من صميم عمل المفكِّر، أمّا التكنقراطي فيأتي بأجوبة جاهزة، بناءً على خبرته. لم أقل، قطّ، إننا غير محتاجين للتكنقراط، ولكني ضدّ الخلط في المهامّ؛ أي حين ينتحل التكنقراط دور المثقَّف. المعادلة في العمل الروائي، من منظوري، هي المزج بين قضايا فكرية مع جانب المتعة. هل وُفّقت؟ لا أدري. أترك للقارئ أن يحكم.