ديمون غالغوت: البوكر تفاجئك، في اللحظات الأخيرة، بخدعة غير لطيفة

ترجمة: سهام الوادودي  |  02 يناير 2022  |  

نشأ الروائي والكاتب المسرحي الجنوب إفريقي «ديمون غالغوت»، ذو السابعة والخمسين عاماً، في مدينة «بريتوريا»، بجنوب إفريقيا، في أوج زمن الفصل العنصري. كتب روايته الأولى في سنّ السابعة عشرة، وتمَّ إدراج اسمه، مرَّتَيْن، ضمن القائمة القصيرة لجائزة «بوكر» الدولية. تمتدّ «الوعد»، آخر أعماله الروائية، على طول أربعة عقود مضطربة، كما تسرد تفاصيل الفترة التي تلت وفاة أمّ بيضاء البشرة، أرادت أن توِّرث ممتلكاتها لخادمتها السوداء.

فائز «ديمون غالغوت»، مؤخَّراً، بجائزة «بوكر» الدولية. في هذا الحوار، يتحدَّث إلينا عن زيارته لمنزل «كورناك مكارتي»، وعن شبابه الذي قضاه في مدينة «بريتوريا» الواقعة بمنطقة الفصل العنصري، وعن وصوله إلى القائمة القصيرة لجائزة «بوكر» الدولية، مرَّتَيْن، في ما مضى، وفوزه بها أخيراً.

كيف خرجت رواية «الوعد» إلى الوجود؟

– الكتب، تبنى، عادةً، انطلاقاً من مجموعات أفكار أو مواضيع نحملها وننقلها معنا، وننشغل بها لفترة ما من الزمن. الشكل الخاصّ الذي خرج به هذا الكتاب، بالتحديد، تَبَلْوَر حول سلسلة من الحكايات الطريفة التي قصَّها عليَّ صديق لي، حول أربع جنازات عائلية حضرها. خطر لي أن تلك قد تكون طريقة لافتة لسرد قصّة عائلة واحدة على الخصوص. أمّا فكرة «الوعد» نفسها فقد جاءتني من صديق آخر، حينما كان يقصّ عليَّ كيف طلبت والدته من العائلة أن تعطي قطعة أرض معينة للمرأة السوداء التي اعتنت بها خلال مرضها الأخير، تماماً كما يحدث في الكتاب.

لماذا اخترت أن تدور الأحداث في بريتوريا؟

– كانت تلك طريقة للتطهُّر من جزء من التربية التي نشأت عليها. ففي الستِّينات، والسبعينات، والثمانينات، لم تكن «بريتوريا» مكاناً رائعاً ينشأ فيه المرء، حتى بالمعايير الجنوب إفريقية. كانت هذه المدينة تشكِّل المركز العصبي لآلة الفصل العنصري بأكملها، وكانت هناك عقلية مسيحية محافظة، فضلاً عن عنف كامن، لا يمكن نسيانه.

هل آل (سوارت)، العائلة التي في «الوعد»، مستوحاة من عائلتك؟

– ليس على وجه التحديد، على الرغم من أن وجود حكايات طريفة مشتركة بين العائلتين، وهناك جانب يهودي لدى عائلتي، وجانب أفريكاني كالفيني. لا يمكننا، في واقع الأمر، أن نبدع شخصيات دون أن تكون مستوحاة من أحد الجوانب المكوِّنة لنا، فكلّ ذلك يمثِّل، نوعاً ما، انعكاساً لطبيعتي الخاصّة.

الرواية تمتاز بأسلوب سردي مميَّز. كيف أخذت هذا المنحى؟

– بدأت الكتابة، ولم أكن راضياً، ثم شاركت في كتابة سيناريو أحد الأفلام، ويبدو أن هذه التجربة كانت بمنزلة تكوين تلقَّيته، لأنني، عندما عدت إلى ما كتبته، بدا لي ساكناً جدّاً، واتَّخذت ممّا تعلَّمته وسيلة لإدخال بعض من المنطق السردي للسينما. وقد تغيَّرت شخصية الراوي، أيضاً؛ وهذا شيء آمل أن يدفع بالقارئ لأن يطرح السؤال المهمّ: من يحكي القصّة؟، وربَّما كانت أهمِّيّة هذا السؤال تكمن في طرحه لا غير.

ما الذي جعلك تتوجَّه إلى الكتابة؟

– يوجد في عائلتي ميول قويّ نحو المجال القانوني، وقد تعرَّضت لضغوط كثيرة لكي أسير في هذا الطريق، عندما كنت شابّاً، لكن الكتابة هي، تقريباً، النشاط الوحيد الذي ما أردت، يوماً، مزاولة غيره. لقد سبق لي أن أصبت بوَرَم الغدد الليمفاوية، عندما كنت صغيراً، وفي ذلك الوقت، كان الكثير من معارفنا يقرؤون لي، وتعلَّمت أن أربط الكتب والقصص بنوع معيَّن من الاهتمام والمواساة، وما زال بمقدور الكتب أن تسافر بي إلى أماكن أخرى، وهذه هي علّة وجودها، على ما أعتقد.

كيف تعاملت مع الانتظارات المتعلِّقة بالالتزام السياسي، والتي يجابَه بها -لا محالة- كلّ كاتب من جنوب إفريقيا؟

– لقد اتَّهمني منتقدو أعمالي الأولى بأنني ابن أسرة من الأسر المحظوظة التي توفَّرَ لأبنائها ترف تجاهُل الوضع في جنوب إفريقيا. وأتذكَّر أنني تأثَّرت كثيراً بهذه الملاحظة، لأنني، بطريقة ما، كنت أعرف أنها صحيحة. بالنسبة إليّ، لا تكمن جاذبية الخيال في كونه يفسِّر التاريخ، ويضيء جوانبه المظلمة فحسب، بل في قدرته، أيضاً، على أن يخبرك بما يشعر به الأفراد الذين يعيشون داخل هذا التاريخ؛ لذا فإنه لمن قبيل التحدّي أن تحاول توجيه العمل الروائي نحو الوجهة الصحيحة.

هل تتَّبع روتيناً صارماً في الكتابة؟

– أنا حالة ميئوس منها. أنا فوضى حقيقية؛ فلكي أبدأ بالكتابة، لا بدَّ لي من الوصول إلى المرحلة التي أصبح معها مهووساً بالقدر الكافي، إلى الدرجة التي تناديني معها الكتابة منذ ساعات الصباح الأولى، ولا تتركني أبداً. أتمكَّن، في نهاية المطاف، من الوصول إلى هذه الحالة، ولكن الأمر يستغرق وقتاً طويلاً، بعدها أخرج بمسَوَّدة أولى مليئة بالشوائب (أشعر أن لديَّ قطعة من الوحل، أحاول إعادة تجميعها). هنا، أفضِّل أن أفعل أيّ شيء ما عدا الكتابة، وهذا يجعلني في أتمّ الاستعداد للقيام بالأعمال المنزلية، مثلاً.

سمعت أنك تكتب بخطّ اليد.

– أنا مولع بالورق، ولديَّ قلم حبر خاصّ أشتغل به منذ أن كان عمري حوالي (20) عاماً. إنه قلم من نوع «باركر-Parker»، مصنوع من درق السلحفاة. ثم إنني حقّاً أحبّ هذه الدفاتر الحمراء المنتشرة كثيراً في الهند. لسبب أو لآخر، تثير مشاعري؛ لذلك أملؤها ببدايات عديمة الفائدة، في الغالب، ومن وقت إلى آخر، يحصل أن تتحوَّل إحدى هذه الأفكار إلى عمل إبداعي مكتمل، حيث أنجز منه مسوَّدتَيْن كاملتَيْن قبل نقله إلى الحاسوب.

ما هو الجانب الأكثر متعةً في الكتابة؟

– في بعض الأحيان، يبدو الأمر وكأنك تفتح باباً فتجد حكاية خلفه، إذا كان بمقدورك أن تتابعها جملة بجملة. ولكن، في معظم الأحيان، لا تظهر المتعة الحقيقية إلّا مع النهاية، عندما يجتمع لديك كلّ شيء، وتتبدّى لك الأمور بوضوح أكبر.

كيف أثَّر وصولك، مرَّتَيْن، إلى القائمة القصيرة لجائزة «بوكر»، في حياتك المهنية؟

– لقد غير ذلك نظرتي إلى المستقبل حقّاً، وبطريقة لم تكن لتتأتّى مع أيّ شيء آخر، ومع ذلك، تُعَدّ الجوائز الأدبيّة، في نظري، إشكالية على أكثر من صعيد، فهناك حالة من الهياج الشديد حول هذه الجائزة، بالذات، إلى درجة أن المستفيد منها يكاد يشعر بالذنب. لا أستطيع تحمُّل الأحداث العامة الكبرى أو الاهتمام المبالغ فيه. وربَّما يكون هذان الترشيحان السابقان قد جعلاني أخسر بعض السنوات.

هل سيكون الأمر أسهل في المرّة الثالثة؟

– هكذا يكون اليانصيب، وأعتقد، مع ذلك، إذا اختارني اليانصيب مرّةً أخرى- أننا يمكن أن نصبح أكثر حساسيةً، وأقدَر على التفلسف بقليل. «البوكر» تفاجئك، في اللحظات الأخيرة، بخدعة غير لطيفة؛ فأنت تظلّ، طيلة بضع أسابيع، واحداً من الفائزين الستّة، ثم يتبخَّر كلّ هذا الاهتمام، وبشكل فجائي، فجائي جدّاً، لا يبقى هناك سوى فائز واحد، فقط، والآخرون كلُّهم خاسرون.

ما آخر كتاب قرأته؟

– «لينكولن في الباردو» لـ«جورج ساوندرز»، هو آخر كتاب نال إعجابي للغاية. إنه كتاب ملهَم بشكل غير عادي، وراديكالي. من يستطيع أن يأتي إبداعاً كهذا؟

ومَن الكتّاب الأحياء الذين تعجبك أعمالهم أكثر من سواهم؟

– قمت، ذات مرّة، بزيارة لمنزل «كورماك مكارثي» في مدينة «إل باسو». كان ذلك قبل إصدار روايته «كل الخيول الصغيرة الجميلة»، وكان حينها غير معروف إلى درجة أن السيِّدات المشتغلات في مكتبة «إل باسو» العامّة لم يكُنَّ تعرفن من هو. لم تكن لديَّ الشجاعة لأطرق بابه،  ثم دخلت في صراع مع نفسي، لكنني أنهيته بهذا السؤال: ما هي الذكرى التي أفضّل أن أحتفظ بها: صورتي وأنا جالس أمام منزل «كورماك مكارثي»، أم صورته وهو يطردني من باب المنزل؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حوار: هيفزيبا أندرسون
العنوان الأصلي والمصدر:
Damon Galgut: “The Booker pulls a nasty little trick on you”
https://www.theguardian.com/books/2021/sep/04/damon-galgut-the-booker-pulls-a-nasty-little-trick-on-you

رابط تحميل العدد كامل

مواضيع مرتبطة

ميلان كونديرا: فنّ مقاومة الإيديولوجيا
ترجمة: محمد فتيلينه 07 سبتمبر 2022
إدغار موران: ليس لدينا وعي تام بأننا نسير نحو الهاوية
ترجمة: مروى بن مسعود 25 يوليو 2021
واسيني الأعرج: «ليليّات رمادة» محاولة لتجاوز الواقع
حوار: شيرين ماهر 07 يوليو 2021
إسكندر حبش.. حياة أخرى متكاملة!
حوار: نوارة لحرش 26 مايو 2021
كازوو إيشيغورو: أنا كاتب منهك، ومن جيل منهك فكريّا
ترجمة: سهام الوادودي 26 أبريل 2021
أبو بكر العيادي: الأكاديميّون يُسقِطون على النصوص مفاهيم ليست من بيئتها
حوار: ممدوح عبد الستار 17 مارس 2021
نبيل سليمان: الجوائز العربية لا تقيس تحوُّلات الكتابة الروائيّة
حوار: عبد العزيز بنار 01 سبتمبر 2020

مقالات أخرى للكاتب

كازوو إيشيغورو: أنا كاتب منهك، ومن جيل منهك فكريّا
26 أبريل 2021

في هذا الحوار، الذي أجريناه عبر منصّة (زوم)، يحكي «كازوو إيشيغورو» الروائي، عن روايته «كلارا والشمس» الصادرة في مارس/آذار الماضي. وللمرّة الأولى، بدأ الحائز على جائزة «نوبل» للآداب، يخشى على المستقبل، ليس من عواقب تغيُّر المناخ فحسب، بل من القضايا الأخرى...

اقرا المزيد
سياسات الطوارئ الثقافيّة في أوربا أماطت اللثام عن واقع مخيف
21 يناير 2021

الفَنَّانون في جميع أنحاء أوروبا يطالبون في الوقت الراهن، شأنهم في ذلك شأن أرباب المطاعم، بتراخيص تتيح لهم العودة إلى العمل مع احترام البروتوكولات الصحّية. لن يُعاد فتح دور السينما ولا المسارح ولا المتاحف تزامناً مع أعياد الميلاد في فرنسا. والأمر نفسه ينطبق...

اقرا المزيد