عبد العزيز آل محمود: الوصول إلى الجوائز العالمية يحتاج إلى بنًى تحتيّة، لا نملكها

حوار: أكرم الفرجابي  |  16 يناير 2020  |  

حينما انطلق الروائي القطري عبد العزيز آل محمود، مبحراً في فضاءات السرد، بروايته «القرصان»، 2011، لم يكن يتخيَّل الكثيرُ من متابعيه، أنه سوف يعود إلى الإبحار، مرّة أخرى، في المياه المتلاطمة الأمواج ذاتها، بـروايته «الشراع المقدَّس»، 2014، لكن الرجل العاشق للتاريخ أدهش الجميع، وأعاد الكَرّة مرَّتَيْن، ثم اختفى عن الأنظار فجأةً، دون أيّة مقدِّمات، إلى أن جاء موعد الإعلان عن اسمه، ضمن الفائزين بجائزة الدولة التقديرية والتشجيعية في مجال الراوية، فانتهزنا المناسبة لملاحقته وإقناعه بإجراء هذا الحوار، بعدما طال غيابه عن الصحافة، بحجّة أنه ليس لديه ما يقوله.

بدأ اهتمام عبد العزيز آل محمود بالتاريخ البحري للخليج العربي، والتداعيات السياسية للقرصنة، في عام 1996م، عندما اكتشف في مكتبة، بالمملكة المتَّحدة، مخطوطاً يرجع إلى القرن التاسع عشر، حول ساحل القراصنة، دفعه إلى البحث عن تاريخ الخليج العربي، وألهمه كتابة رواية «القرصان». تدور أحداث الرواية حول السياسة البريطانية والقرصنة في منطقة الخليج العربي، خلال القرن التاسع عشر، وكانت الشخصية المركزية شخصية القرصان العربي «رحمة بن جابر الجلهمي»، وقد أصبح الكتاب واحداً من الكتب القطرية الأكثر مبيعاً. وجاءت روايته التاريخية الثانية بعنوان «الشراع المقدَّس». وهي رواية رومانسية تنتصر للإنصاف والحرِّيّة، من خلال أحداث مؤامرة تتعلَّق بامرأة شابّة تقع في حبّ زعيم قبيلة عربيّة.

ما سرّ اهتمامك بالرواية التاريخية؟ 

أحبّ التاريخ، وجلّ قراءتي في التاريخ. أجده آسراً، يحمل الكثير من العبر والأسرار، ونحن مبنيّون على التاريخ؛ عقولنا، وكلّ تصرفاتنا مبنيّة على تاريخنا. هكذا هي كلّ الشعوب، لكن الفرق هو مدى تأثُّر الشعوب بتاريخها؛ فهناك شعوب تعيش التاريخ، وهناك شعوب تستفيد من التاريخ، وشتّان بينهما.

هل تصنِّف أعمالك التاريخية بأنها تنتمي إلى أدب البحر؟

لا، هي ليست أدب البحر، لكن البحر هو الطريق الذي شكَّل حياة الناس على سواحله، فالبحر هو مصدر الرزق، وهو خطّ التجارة، وهو الطريق الذي جاءنا، من خلاله، المحتلّ. كتابة أيّ تاريخ عن جغرافيا تقع على البحر مرتبط بالبحر، فهل نستطيع أن نكتب عن تاريخ بريطانيا بدون ذكر البحر، ودوره؟ أو هل نكتب عن أميركا مع تجاهل البحر؟ هي دول قامت على البحر، بسبب البحر. 

لماذا لم يشغل البحر الواسع، الذي يحيط بالعالم العربي، بالَ الروائيِّين العرب؟

الكتابة عن أحداث البحر تحتاج إلـى معرفة بالحضارات المحيطة، وتحتاج إلى معرفة بالمصطلحات البحرية، وإلى قراءة القليل عن أنواع السفن وأساليب صناعتها وأسمائها، وهي مسألة فيها بعض التعقيد، يحاول بعض الروائيِّيْن عدم الخوض فيها، لكن البحر عالم آخر، فهو خطوط المواصلات لكلّ شيء، بدءاً بالتجارة وانتهاءً بالغزو، ومثله يجب ألَّا يهمل.

هل أَثَّر العمل الصحافي، الذي أخذ جزءاً كبير من حياتك، بشكل أو بآخر، على مشروعك الروائي؟

لا أظنّ أن العمل الصحافي يمكن أن يصنع روائيّاً، لكن كثرة القراءة قد تعبِّد الطريق للكاتب ليكون روائيّاً. أمّا العمل الصحافي اليومي فهو عبارة عن طاحونه، لا يوقفها الزمن، ولا أظنّها ستصنع روائياً. إن الصحافة، في رأيي الشخصي (وأرجو ألّا يحاسبني أحد عليه) الصحافة مهنة مؤقَّتة في حياة الشخص، وليست مهنة دائمة، فالصحافيعادةلا يجد الوقت حتى للجلوس مع أطفاله، فما بالك بالكتابة الروائية؟.

ماذا يعني حصولك على جائزة الدولة التشجيعية؟

الجائزة لها قيمة معنوية كبيرة، فهي تعني أن هناك من قرأ إنتاجك، وقَيَّمه، ووجده يستحقّ التكريم، وهذهبحدِّ ذاتهادفعة معنوية عالية. وأنا أشكر كلّ من ساهم في ترشيحي لهذه الجائزة .

كتَّاب الخليج حصدوا جوائز مهمّة، خلال السنوات الأخيرة. هل نحن أمام إعادة تشكيل خريطة القراءة العربيّة؟

هذا السؤال يحمل، في طيّاته، الكثير من التفاؤل، مع أني لست متفائلاً في هذه المرحلة؛ فما زال الإنتاج الأدبي، عندنا، شحيحاً مقارنةً بالآخرين، ومازال القارئ، عندنا، نادراً، ومازالت أغلب الدول العربيّة تعاني من أزمات اقتصادية تمنع المواطن من شراء الكتاب الذي يُعتَبر ترفاً.

هل ترى أن الجوائز الأدبية تضيف للكاتب، أم يمكن اختزال قيمتها في المردود المادّي، فقط؟

قيمة الجائزة هي بما تضيفه معنويّاً لصاحبها، والقيمة المادِّيّة، مهما ارتفعت فلن تغيِّر كثيراً من الوضع المادّي لصاحبها .

هل تتوقَّع أن يفوز كاتب عربي بجائزة نوبل؟

يجب أن نعرف أن أيَّ عمل، لن يكون ناجحاً بمفرده، فحتى يخرج من نجاحه الجغرافي يجب أن تتضافر عدّة عوامل ليصبح ناجحاً عالمياً. دعني أضرب لك مثالاً: لو كان مبتكر تطبيق (فيسبوك) يعيش في أحد دول أميركا اللاتينية، فهل سينجح كما نجح، الآن؟ ولو كان صاحب فكرة (ماكدونالد) في الهند، فهل سينجح المشروع كما هو ناجح، الآن؟ 

يجب أن ينجح المنتج في موطنه، قبل أن يخرج إلى العالم، وهذا الموطن يجب أن يكون مؤثِّراً في العالم حتى يوصل نجاحاته إلى الآخرين. نحنمع الأسفشعوب على هامش الثقافة، وقد يكون لدينا منتج يُعَتدّ به، لكننابالمجمللا نؤثِّر في الآخرين، وليس لدينا وسائل العرض؛ فمن سيهتمّ بكتاب صدر في أحد الدول العربيّة، إن لم تكن لدينا وسيلة تسويق معتبرة؟

برأيك، لماذا انخفضت معدَّلات القراءة في العالم العربي، رغم الإنتاج الادبي؟

أغلب الدول العربيّة تعاني من أزمات سياسية، واقتصادية مؤلمة، حتى أصبحت الحياة ذاتها صراعاً يوميّاً، فمن سيجد المال لشراء كتاب أو الوقت لقراءته؟ أوضاعنا لا تسرّ، فقد حضرت معرض الكتاب الأخير الذي أقيم في إسطنبول، وكان الباعة يشتكون من قلّة الشراء، وهذا طبيعي؛ فمعظم الذين كانوا في ذلك المعرض من اللاجئين الذين يرون أن هناك أموراً أهمّ تستحقّ مالهم .

هل انخفاض معدَّلات القراءة، في عالمنا العربي، وراء ترجمة روايتك «الشراع المقدَّس» إلى البرتغالية؟

لا، طبعاً؛ إن رواية «الشراع المقدَّس» اشترت حقوقها دار نشر في البرتغال، خلال معرض كتاب فرانكفورت، فمعارض الكتب الغربية، سواء في لندن أو في فرانكفورت، تعمل بشكلٍ مختلف عمّا اعتدنا عليه في عالمنا العربي، فهي دور لشراء الحقوق، لا لبيع الكتاب للقارئ.

الرواية القطرية سجَّلت ربع قرن من مسيرتها الإبداعية، فما هو تقييمك لها؟

أستطيع أن أقيِّم رواية بعينها، حين يُطلب مني ذلك، لكني لا أستطيع أن أبدي رأيي في الرواية القطرية؛ لأني لم أقرأ كلّ الإنتاج ألقطري، ولكن لي رأي خاصّ في أيّ منتج روائي، فأنا أقيّم الرواية بحسب الجهد المبذول في كتابتها، ولا أقصد ناحية تنطُّع اللّغة، بل من ناحية الخلفية التاريخية التي يجب أن يطَّلع عليها الكاتب قبل الشروع في الكتابة. وأنا أرفض الكتابة باللهجة العامّية، ولا استطيع إكمال أيّ كتاب مكتوب بها، لكن لابأس، بذلك، في مجال التراث .

لماذا لم تُتَوَّج الرواية القطرية، على مدى هذه السنوات، بجوائز عربية أو دولية؟

هناك أسباب عدّة لذلك، فالجوائز العربيّة غير شفّافة في آليّة التقييم والاختيار، ويغلب عليها التدخُّلات السياسية والمناطقية وحتى العائلية. أمّا الجوائز العالمية فالوصول إليها يحتاج إلى بنًى تحتيّة، لا نملكها نحن، فليس لدينا دور نشر تستطيع تسويق الكتاب بطريقة محترفة، وليس لدينا قاعدة قرّاء مؤثِّرة، وليس لدينا وسائل سهلة وسريعة لتوزيع الكتاب، ودفعه لينافس عالمياً.

ماذا تكتب الآن؟، وهل لديك عمل روائي جديد؟ 

كتبت مقدِّمة لكتاب، منذ حوالي سنتَيْن، ثمّ توقَّفت لأسباب كثيرة. وقد عدت، من جديد، إلى هذه المقدِّمة حتى أعيد لذاكرتي حيويَّتها، وبدأت في جمع المصادر التي أهملتها، ولعلي أعود إلى الكتابة من جديد، قريباً. أمّا ماذا أكتب، الآن، فلن أستطيع أن أقول حتى أقطع فيه شوطاً، لأن الكاتب كالمسافر، لا يعلم متى سيغيِّر طريقه.

مواضيع مرتبطة

ألبير كامو.. الظلّ والضياء
ترجمة: محمد جاتم 07 سبتمبر 2022
محمَّد مبوغار سار: غونكور مفاجئة
ترجمات 02 يناير 2022
لم يكن الأمر ليكون! قـمم يأس إميل سيوران
ترجمة: محمد الناجي 07 يوليو 2021
كلاوديو ماغريس، وماريو فارغاس يوسا.. مرافعة للدفاع عن الأدب
ترجمة: عزيز الصاميدي 26 مايو 2021
فولفغانغ فايراوخ.. “استعدادات لاغتيال الطاغية”
ترجمة: عماد مبارك غانم 26 أبريل 2021
جين كورتيز.. سريالية الهوامش
الحبيب الواعي 17 مارس 2021
هاروكي موراكامي: الأدب وحده لن يكون كافيا
ترجمة: عزيز الصاميدي 24 فبراير 2021
هيرفيه لو تيلييه.. مواجهة المرء لنفْسه
ترجمة: فيصل أبو الطُّفَيْل 01 يناير 2021
تورغوت أويار: «حبّي يؤلمني من التعاسة المتكاملة لبني البشر»
ترجمة: صفوان الشلبي 16 نوفمبر 2020
فرانثيسكو برينيس: الشعر هو قول أشياء مؤلمة
ترجمة: أحمد عبد اللطيف 15 نوفمبر 2020