غولتين أكين «أسود أبيض»

| 07 يوليو 2021 |
وُلِدت الشاعرة والكاتبة التركية «غولتين أكين» في «يوزغات» عام (1933). تخرَّجت في كلّيّة الحقوق في جامعة أنقرة، عام 1955. تنقَّلت في العديد من المحافظات التركية، وعملت في مهنتَي التعليم، والمحاماة.
نشرت أولى قصائدها في صحيفة «آخر خبر» وهي في سنّ الثامنة عشرة، عام 1951، ثم في العديد من المجلّات الأدبية خلال سنوات دراستها الجامعية. يغلب على مواضيع أشعارها الأولى الحديث عن الطبيعة، والعشق، والفراق، والصبا، في حين نرى أن الاضطراب السياسي والاضطراب الاجتماعي اللذين شهدتهما تركيا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، قد أثَّرا في تطلُّعاتها، فأصبحت تركِّز، في مواضيع أشعارها، على المشاكل الاجتماعية، والمشاكل السياسية في المجتمع.
عام (2008)، حصلت على أعلى الأصوات في استفتاء نظَّمته صحيفة «ميلليت» عن أفضل شاعر معاصر تركي.
توفيت عام (2015).
صدر لها، في الشعر، أكثر من عشرين كتاباً، وكتبت سبع مسرحيات، وعدداً من الكتب النثرية. تُرجمت أشعارها إلى العديد من اللُّغات العالمية، ولُحِّن لها أكثر من أربعين قصيدة.
أحببتُكَ
أحببتُكَ. أحببتُكَ بتروٍّ، ولم أحبّكَ وهلةً
ليس كاستيقاظي ذاتَ صباحٍ.. لا، ليسَ كذلك،
بل كما تنسابُ العصارةُ إلى أطراف الغصن،
وضياءُ الشّمسِ من خلف السّحبِ، إلى السّهول الحالمة.
أحببتُكَ كلمسِ شفتيّ للماءِ، بعد ظمأ.
كانقضاءِ موسمِ الكرزِ والبرقوق وحلول الصّيف.
كظبيٍ شاردٍ وجدَ أمَه بعد طول بحثٍ.
اسمُك ثغرٌ خالدٌ، مروراً بي
استنشقتُه، تنسّمتُه، تألّقَ ورقُ الشّجر، ورحل شهرُ أغسطس..
أحببتُكَ، واكتملت محبّتي مروراً بكَ.
أحببتُكَ. رجالٌ ضِعافٌ وضِخامٌ
ونساؤهم بأعناقٍ غليظةٍ،
قبلَ انتشارهم في طول البلاد وعرضِها..
قبل قيام سلطات مختلفة قائمة على الكذب.
الجسورُ والطّرق بحكم الصّكوك والسّندات
قبل الانفتاح على الخارج، وقبل الانفتاح على الداخل، وقبل الانغلاق
أنهارُنا وجبالُنا وكلّ ما لدينا،
قبل أن تُباع سنداً سنداً..
قبل أنْ تُصبح الشّركاتُ والوقفُ والمناجمُ مقدَّسات،
وقبل أن ينتهي تقسيم الفردوس وتوزيعه.
أحببتكَ. ما عادَ لي من أحدٍ سواك.
أغنية الفتاة المجنونة
لو أصادِفُكَ في أحد الشّوارع الواسعة.
لو أمدُّ يدي وأمسكُ بكَ وأرافِقُك..
لو أنظرُ إلى عينيكَ وحتى لو لم أحادثُ عينيك.
ليتكَ تُدرك!.
لو أمدُّ يدي، حتى لو لم أستطع ما استطعت الإمساكَ بك.
لو تدركُ مدى محبّتي ووحدتي.
كلّا، إذا لم تُدركْ
وإذا لم تعلمْ، البتّة،
فأنتَ لا تعلمُ أبداً.
تبدأ وتنتهي تلك الأغنية من تِلقاء نفسها.
المطرُ يهطلُ وتبتلُّ أشجارُ الأكاسيا
تتطاير السّحبُ ليلاً.
أنا مجنونةٌ بالمطر.. مجنونةٌ بالسّحب.
لعبةٌ كبيرة هي ما تدعوه بالحياة
عليه؛ إمّا أنْ يحبّني أو يقتلني.
يجب قطعُ إحدى الطرق الواسعة بما فيها،
ويجب البدءُ من جديدٍ كالحشرات.
هذا المطرُ الظّالمُ لا يعملُ في الظلام.
اِحترقْ، يا قلبُ.. اِحترقْ على غرابتِك
فالماضي قد مضى.
أسود أبيض
أخذْتَني بعيداً عن العالم،
قيّدتَ ذراعيَّ، وقلتَ قفْ.
الليالي العابقة برائحة الملح، قالت: قفْ.
وقفتُ أنتظرُ.. لا تأتِ.
قمرٌ ضوءٌ ليلٌ سواد
عتمةٌ مميتةٌ خلفَ عينيّ
أحياءٌ وأمواتٌ وكلُّ الموجودِ متلاصقٌ
هذه السّاعة أكثر قرباً، وأشدّ تماسكاً
الآنَ، أشعرُ بالخجل من وحدتي.
وقفتُ أنتظرُ.. لا تأتِ.
كنتَ تعلمُ ذلك منذ البداية.
كانت إقامتي، هنا، ستكون الأخيرة.. ذات يوم
سأمسكُ يديكَ في لحظةٍ.
سيمرُّ من السهول آخر قطارٍ في اليوم.
سأنظرُ خلف كلّ شيء
أعلمُ ذلك منذ البداية.
وقفتُ أنتظرُ، لا تأتِ.
ما عادَ ينبغي عليكَ التّحدُّث، ولا أحدٌ غيرك.
تجاوزنا كل القيمِ باسم العيش.
القلبُ حسَّ في منتصف البياض
هذه الرّيحُ لا تحمل طوال القامات..
هذه الرّيح متشرّدة.
الآن، خارج رياح القرارات والمفاهيم،
وقفتُ أنتظرُ.. لا تأتِ.
بعد هطول طويل للأمطار
أنتَ، تليقُ بكَ الأيّامُ الماطرة
الطرقُ تقصرُ.. الجبالُ البعيدة، البيوتُ البعيدة تصغُر
وجهُكَ يتألّقُ مثل أوراق الشّجر المبلّلة.
لا تنسَني حين يتألَّق.
سماؤك دافئة.. الزرقة تمضي
العصافيرُ تحلّق بعد الأمطارِ الطّويلة ذات يوم.
مكانٌ في داخلِكَ يستشعِر الدّفء بالكامل.
رغم كلّ شيء، يداك تشعران بالبرد.
لا تنسَني حين تشعر بالبرد.
أصدقاءٌ جددٌ.. رياحٌ جديدةٌ تأتي وتمضي.
كيف نسوا إن كنتُ طحلباً أو كنتُ صخرة!
يميل رأسُك إلى صدرك قهراً.
لا تنسَني حين يميلُ.