كازوو إيشيغيرو: يمكن لأمور إيجابية أن تحدث

ترجمة: نبيل موميد  |  02 يناير 2022  |  

في هذا الحوار المستفيض، يُحدِّثنا الروائي البريطاني ذي الأصول اليابانية «كازوو إيشيغورو – Kazuo Ishiguro»، الحاصل على جائزة «نوبل» للآداب، سنة (2017)، عن روايته «كلارا والشمس – Klara et le Soleil» الصادرة خلال هذه السنة (2021)، والتي تعد أوَّل رواية له بعد حصوله على هذه الجائزة العالمية؛ حيث يرى فيها، بالإضافة إلى مختلف القضايا التي تُناقشها، التزاماً إضافياً تجاه القراء، ومسؤولية جسيمة أصبحت ملقاة على عاتقه ليكون في مستوى الانتظارات.

استهلَّ «إيشيغورو» مسيرته بعدد من الروايات التي لقيت نجاحاً كبيراً، من قبيل «منظر شاحب للظلال – Lumière pale sur les collines» الصادرة سنة (1982)، و«بقايا اليوم -Les Vestiges du jour» الصادرة سنة (1989) التي نقلها «طلعت الشايب» إلى العربية سنة (2000)، وحصلت على جائزة «البوكر»، قبل أن تُحوَّل إلى فيلم سينمائي…

أصدرتم، مؤخَّراً، رواية «كلارا والشمس»، وهي أوَّل رواية تصدرونها منذ حصولكم على جائزة «نوبل» للآداب في العام (2017). هل كان لهذا التتويج تأثير على طريقتكم في الكتابة؟ هل احتجتم إلى وقت أكبر في كتابة هذه الرواية؟

– اعتدت على أن أترك مسافة زمنية بين رواية وأخرى، لكني، عندما أنخرط في مشروع روائي ما، لا أتوقَّف حتى أنهيه؛ وهذه الطريقة، بالنسبة إليَّ، هي السبيل الوحيد الأكثر فاعليّة في التأليف الروائي. لقد كنت محظوظاً إذ حصلت، مبكِّراً، على جوائز متعدِّدة، غير أنني دَرَجْتُ على أن أترك مسافة بيني وبين هذا الأمر. وإلى حدود حصولي على جائزة «نوبل»، كان لديَّ إحساس دائم بأني لست أنا من كان يحصل على هذه الجوائز؛ بل هو نوع من البدائل. وأنا حريص أشدّ الحرص على المحافظة على هذا التمييز بين حياتي، بوصفي كاتباً في مكتبي، مُحاطاً بوثائقي ودفاتر ملاحظاتي، وبين هذا العالم الذي يعجّ بالمكافآت والخطب… على العموم، آمل ألّا تكون هذه الجائزة الأخيرة قد غيَّرت من طريقتي في الكتابة.

بعد روايتكم «لا تدعني أرحل أبداً» التي نقلها «فايز الصياغ» إلى اللّغة العربية سنة (2019)، الصادرة سنة (2006)، تأتي روايتكم «كلارا والشمس»، خلال هذه السنة، لتنقلنا – مرّة أخرى – إلى مستقبل غير محدَّد، غير أننا نحسّه قريباً منّا؛ بفضل التطوُّر العلمي، والتكنولوجي لمجتمعاتنا. ما الذي يثير اهتمامكم في هذا الموضوع، بالضبط؟

– تجذبني إلى هذا الموضوع عدّة أسئلة تدور في فلكه؛ فأنا مبهور، بشكل أساس، بالذكاء الاصطناعي، أو بالتعديل الممكن لجيناتنا. عندما كتبت «لا تدعني أرحل أبداً»، كان العالم مختلفاً، للغاية، عمّا هو عليه الآن؛ لذلك كان من المفروض عليَّ أن أستعمل آليّات أدبيّة استقيتها من الخيال العلمي. أمّا «كلارا والشمس»، فعلى العكس من سابقتها؛ إذ كان لديَّ إحساس بأن ما أصفه وأحكيه يشكِّل جزءاً من عالمنا المعاصر. وحتى في البلدان التي صدرت فيها روايتي هذه، قلّة قليلة ممَّن قرؤوها تحدَّثوا معي عن الخيال العلمي؛ ذلك أن أغلبهم اعتبروها حكاية لما يجرى في الوقت الراهن، لا لما سيكون استقبالاً. لقد عرف العالم تغيُّرات جذريةً في العقدين الأخيرين، وجميعنا على وعي بهذه التحوُّلات شديدة السرعة.

كان والدكم عالماً كبيراً، لذلك عشتم في عالم مشبع بالعلوم. هل تثير هذه التطوُّرات العلمية قلقكم؟

– نعم. تثير قلقي، بالفعل؛ بل إنها تخيفني، أيضاً. أظنّ أننا نعيش في هذه الظرفية التاريخية منعطفاً؛ فالذكاء الاصطناعي اكتشاف عظيم سيعود بالخير العميم على البشرية، لاسيّما في مكافحة الأوبئة وجميع أنواع الأمراض. من ناحية أخرى، أتأسَّف غاية الأسف لعدم اهتمامي الحقيقي بعمل والدي؛ لأني كنت ذا ميول أدبيّة أكثر منها علمية، خاصّةً أن بريطانيا تكرس الشرخ بين ما يسمّى بالعلوم الحقّة، والعلوم الإنسانية.. للأسف. في أيّامنا هذه، يجد سكان العالم أنفسهم مجبرين – أكثر من أي وقت مضى – على الاهتمام بالتكنولوجيا والعلوم، خصوصاً مع تفشي وباء (كوفيد 19). كلُّنا نشعر بهذا المزيج الغريب من التحمُّس لهذه التطوُّرات العلمية، والتوجُّس منها في الآن نفسه؛ ربما لأننا لا نعرف مآل الأمور. وبوصفنا مجتمعات، من الضروري أن ننظم أنفسنا باتباع نفس الطريقة التي اتبعناها في بداية الثورة الصناعية. أرجو، صادقاً، أن نتوفق في تجنب الأسوأ عبر تطوير طرائق فِعْلٍ وجيهة تُمكِّن من مواجهة هذه التحوُّلات. مثل هذه الهواجس وغيرها، عبَّرتُ عنها في «كلارا والشمس»، بيْد أني حاولت أن أقدِّم الجوانب الإيجابية، أيضاً، للذكاء الاصطناعي. على العموم، يكون للوحوش أو للروبوتات قصب السبق، بالمقارنة مع الإنسان، أو أنها تتمرَّد عليه وتثور؛ لقد تعودنا على مثل هذه القصص، دون أن ننكر أن بعضها مثير للإعجاب. لقد كنت أريد أن أناقش هذا الموضوع، بطريقة مختلفة.

أهديتم روايتكم هذه إلى أمِّكم التي توفِّيت سنة (2019). وفي الرواية، تمَّت برمجة الروبوت «كلارا» – التي تضطلعُ بدور السارد – للعناية بالأطفال؛ فهل هي وسيلة للحديث عن موضوع أثير لديكم؛ أقصد، بذلك، حبُّكم لأمِّكم؟

– نعم. في حدود معيَّنة، رغم أني، إبَّان مرحلة كتابة الحكاية، لم أكن واعياً، حقيقةً، بأني أربطها بأمّي. لقد كانت زوجتي – وهي قارئتي الأولى – مَنْ نبهَّتني إلى هذا الأمر؛ وكانت على صواب. كان سلوك «كلارا»، في نهاية الرواية، مشابهاً، للغاية، لسلوك أمّي في نهاية حياتها؛ فقد كانت تحسّ بالتهميش، حتى إنها لم تعد تلتقي كثيراً بمن اعتادت أن تلتقي بهم في أيّام حياتها العادية، فقد كانت تعيش في عزلة. غير أنها -من ناحية أخرى- كانت تشعر بالرضى لأن أولئك الذين تهتمّ بهم نجحوا، جمعيهم، في حياتهم. ثمّة شيء ما؛ شيء قويّ بما يكفي، ويتَّصف بالحتمية، يميِّز طريقة اعتناء الكائن الإنساني بأطفاله، كما لو أنه – في العمق – روبوت مبرمج على هذا الفعل؛ فما إن نصبح آباء، حتى تنمو في دواخلنا غريزة ما قويّة للغاية، تبدو لي قريبة ممّا يشعر به «Terminator» (هو روبوت قاتل في فيلم خيال علمي شهير يحمل هذا العنوان) عندما يُكَلَّف بمهمّة ما. بعد أن تزوَّجت أمّي بأبي، استغنت عن عملها لكي تعتني بأطفالها، وتسهر على راحتهم، ولا يختلف تصرُّف «كلارا» عن تصرُّفها، في الرواية، أو طريقة تفكيرها.

بماذا يمكنكم أن تصفوا «كلارا»؟ هل هي ساذجة وأمِّية، أم أنها تتَّصف، على العكس، تماماً، بالذكاء الشديد؛ إن لم نقل بالعبقرية؟

– ربَّما هذا ما كان جذّاباً، للغاية؛ أي أن يكون لديك سارد مثل «كلارا»؛ فهي قد تكون جُماعاً لكلّ هذه الصفات. لم تأتِ «كلارا» من كوكب آخر؛ ولو كان الأمر كذلك لكان لديها، بشكل مسبق، ثقافتها المختلفة، وهويتها الخاصّة، وشخصيَّتها المتفرِّدة. يقترب الأمر من أن تكون قد وُلدت مع بداية الرواية؛ لذلك هي مثل المولود بلا أحكام مسبقة، ويمكنها أن ترى العالم الإنساني بطريقة مخصوصة للغاية، وما أثار إعجابي هو نظرتها الجديدة هذه. ولكن، بالنظر إلى أنها ذكاء اصطناعي، بمُكْنَتِها أن تتعلَّم معارف بالجملة، بسرعة مذهلة، دون أن تفقد شيئاً من شخصيَّتها المتَّسمة بالسذاجة المماثِلة لما نجده لدى الأطفال، مع لمحة من الأمل والتفاؤل، والثقة في استمرار وجود الخير في هذا العالم، وفي وجود شيء ما كبير وقويّ؛ وقد كان هذا الشيء، بالنسبة إلى «كلارا»، هو الشمس.

ألم يكن ابتكار شخصية غير بشرية، في العمق، وسيلة من أجل تعبيرٍ أبلغَ عن الطبيعة الإنسانية؟

– عندما بدأت التفكير في هذا الكتاب، كان الهدف هو تأليف قصّة مصوَّرة للأطفال، كما لم تكن شخصيَّتي الرئيسة روبوتاً، بل كنت أفكِّر في دبّ أو دمية. غير أنني، في الأخير، جعلت من «كلارا» روبوتاً؛ وهو ما شكَّل وسيلة مُثلى بالنسبة إليَّ، أنا من يرغب في رؤية الكائن البشري وجهاً لوجه. لم أشأ في هذه الرواية، أن أتوقَّف كثيراً عندَ ما ستؤول إليه الذكاءات الاصطناعية من تقدُّم في المستقبل، بل كان هدفي، بالأحرى، أن أبرز كيف تنطبع الطبيعة الإنسانية، في هذه الشخصية، شيئاً فشيئاً، مع تعرُّفها إلى الناس. لم تكن لـ «كلارا» نقائص أو مكامن ضعف، على العكس من الكائنات البشرية، التي تشكِّل هذه النقائص جزءاً من شخصيّاتها.

تتطرَّقون، كذلك، إلى موضوعات مهمّة، من قبيل العزلة، أو الصداقة من خلال العلاقة المؤثِّرة، للغاية، بين «كلارا» والمراهقة التي ترعاها «جوزي».

– هذا صحيح، وأنا ممتنّ لأنك لاحظت هذا الأمر. لا خلاف في أن أهمِّيّة الأسرة، بمعناها التقليدي، بدأت تتراجع يوماً بعد آخر، في أيامنا هذه؛ لذلك تتيح الصداقة مَلْءَ هذا الفراغ على مستوى هذه العلاقات العاطفية. في روايتي «لا تدعني أرحل أبداً»، لم تكن للشخصيات عائلات؛ لذلك كانت علاقاتهم الودِّية تمثِّل كلّ شيء بالنسبة إليهم. أمّا في «كلارا والشمس»، فلم يتمّ التعبير، صراحةً، عن هذا الأمر، بيْد أننا لا يمكن أن نتجاوز أهمِّيّة الصداقة فيها. تتمثَّل المهمّة الأساسية لـ «كلارا» في رعاية الأطفال والمراهقين حتى لا يشعروا بالوحدة، وهي – بهذا المعنى – توجد في عالم من المخلوقات المنفردة التي تطمح إلى نسيان أنها كذلك، ثم – من هنا- تدرك محيطها من خلال منظور الوحدة. عندما كانت «كلارا» تلمح المارَّة من خلال زجاجة واجهة المحلّ الذي كانت تُعْرَض فيه (للبيع)، كانت تتساءل عمّا إذا كانوا يجتمعون، ويتجاذبون أطراف الحديث فيما بينهم؛ وذلك من أجل التغاضي – ولو بتواطؤ مقصود – عن وحدتهم. أعتقد أننا مخلوقات مركَّبة؛ فالعائلة، والتجمُّعات، وغيرهما تمكِّننا من نسيان حقيقة أننا نعيش، بأكملنا، داخل ذَوَاتنا (لا خارجها)، هذا المعطى يصيب كبد الحقيقة، لاسيّما عندما نواجه مرضَ قريبٍ، أو موتَه؛ فلا يمكن لأحد أن يتدخَّل في هذا الأمر، أو أن يستطيع منعه. يشبه الأمر حال لاعب كرةٍ في أثناء مباراة ما، عندما يكون في لحظة تسديد الكرة ناحية الشباك؛ فرغم وجود الجمهور وباقي اللاعبين، يعيش وحدة كبرى أمام حارس المرمى. أظنّ أن هذه الاستعارة تجسِّد، بوضوح، هذه الفكرة.

بالفعل، حتى إن «بيتر هندكه»، الحاصل على جائزة «نوبل» للآداب لسنة (2019)، خصَّص كتاباً لهذا الأمر؛ عنوانه: «قلق حارس المرمى لحظة ضربة الجزاء…».

– أجل، لكنه أخطأ؛ لأن الخوف سيكون من نصيب من يُسدِّد، أمّا حارس المرمى فيمكنه، فقط، أن يصبح بطلاً. إن الفريق ليس سوى وَهْمٍ نختلقه؛ لأن اللاعب المسدِّد هو، في النهاية، بمفرده. في هذا السياق، حاولت أن أعيد رسم جوّ العزلة هذا من خلال العودة إلى لوحات رسَّامين أميركيين، من قبيل: «إدوارد هوبِّر – Edward Hopper»، و«رالستون كراوفورد – Ralston Crawford»، و«شارل شيلر – Charles Sheeler»، و«شارل دوموث – Charles Demeuth»؛ بمختلف ما تجسّده رسوماتهم من صور مدن قاحلة، وسماوات بدون نهاية، وحقول شاسعة، لا أحد فيها.

لماذا مَوْقَعْتم حكايتكم في الولايات المتَّحدة الأميركية، رغم أنها ليست مسقط رأسكم، ولا مكان عيشكم؟

– تروق لي فكرة أن تكون رواياتي قابلة لأن توجد في أيّ مكان؛ لذلك أحاول ألّا أشحنها كثيراً بعناصر ديكورية، أو بعوامل تاريخية أو اجتماعية، بل -على العكس من ذلك- أجعل إطار الأحداث كونيّاً. بيْد أني مُجْبر على موقعة قصَّتي في مكان ما، حتى إن كان ذلك بطريقة سطحية. فبينما المجتمعات الأوروبية مجتمعات شائخة وشديدة الارتباط بتقاليدها وعاداتها، تمتاز الولايات المتَّحدة الأميركية بمجتمعها الشابّ الذي لا يعرف إلى أين سيتَّجه، دون أن ننسى أنها البلد المعروف بأكبر عدد من الاكتشافات التكنولوجية والعلمية، بلا منازع. وفي روايتي، كنت أريد أن يحسّ القارئ أن المجتمع الذي تجري فيه الأحداث، لم يحدّد، بعد، وجهته: هي نحو الكارثة أم صوب مستقبل مزدهر.

يحتلّ المظهر البصري حيِّزاً مهمّاً من روايتكم؛ حيث تبدعون صوراً مخصوصة تترجم الطريقة التي ترى من «كلارا» العالم من خلالها. لماذا اخترتم طريقة العُلَب من أجل إعادة رسم نظرة شخصيَّتكم الرئيسة؟

– مع راوٍ هو، في الأصل، روبوت، لم يكن من الممكن أن أكتفي بتوظيف صور متواضَع عليها. فمن أجل أن يرى القارئ من خلال عينَيْ روبوت، كان لِزاماً عليَّ أن أتخيَّل منظراً بصريّاً فريداً. ومرّة أخرى، ألجأ إلى الفنّ؛ حيث استلهمت التكعيبية في طريقة السرد. وهكذا، يمكن لـ «كلارا» أن ترى الشخص نفسه، وأمامها اختيارات متعدِّدة؛ فحسب العُلَب، يمكنها أن ترى صيغاً مختلفة للأشياء التي تحيط بها. وقناعتي الدائمة، أننا إن وضعنا القارئ في السياق الملائم، وفي الإطار المناسب، فسيكون بمُكْنته أن يتتبَّعنا في تجاربنا. لقد ترك فِيَّ ذلك المشهد الأخير المتميز من فيلم (2001)، «أوديسا الفضاء» انطباعاً قويّاً لدقائق طويلة؛ فقد كان المشاهد في قلب زخم من الألوان، والأصوات، والصور المجرَّدة. وعندما ذهبت لمشاهدته في دار من دور السينما، في عمر الخامسة عشرة أو السادسة عشرة، استغربت، للغاية، من أن الناس الجالسين في القاعة كانوا مستغرقين، بكامل جوارحهم، في المشاهدة؛ وقد نجح «ستانلي كوبريك – Stanley Kubrick»، من خلال مونتاج خاصّ، في جعلنا نتقاسم ما يحسّ به رائد الفضاء، وما يراه، من خلال سفينته الفضائية؛ وذلك بتشيِيد إطار أتاح لنا فهم كلّ شيء. بالنسبة إليَّ، عندما قرَّرت أنني في حاجة إلى روبوت ليمارس الحكْي في روايتي، ارتأيت أنها الفرصة المناسبة للدفع بالأمور إلى الأمام قليلاً؛ أي استكشاف عوالم غير مألوفة؛ حيث يمكن للقُرَّاء أن يتتبَّعوني، ويفهموا كلامي دون أن يكتشفوا، في النهاية، أيّ اختلاف أو تغيُّرٍ (تقنيّاً، وأسلوبيّاً)…

حُوِّلت بعض كتبكم إلى أفلام سينمائية؛ حيث نتذكَّر، على الخصوص، رواية «بقايا اليوم» (من إخراج «جيمس إيفوري – James Ivory»، وبطولة «أنطوني هوبكينز – Anthony Hopkins»). هل ستَتْبَع رواية «كلارا والشمس» المسار نفسه؟

– نعم. ستَتْبَع المسار نفسه؛ فقد اشترى أستوديو التصوير الأميركي «سوني بيكتشرز -Sony Pictures» حقوق تصوير الفيلم، وهناك من يشتغل، حاليّاً، على السيناريو. أنا متلهِّف لرؤية النتيجة؛ لأني أعرف أن الرواية بين أيدٍ أمينة؛ فهي تحت رعاية (وإشراف) منتج السلسلة الشهيرة من أفلام «هاري بوتر – Harry Poter» «دافيد هيمن – David Heyman»، بالإضافة إلى المنتجة «إليزابيث غابلير – Elizabeth Gabler». أحبّ كثيراً هذه العلاقة الوثيقة الرابطة بين الأدب والسينما، أو المسرح، كما أحبّ أن تكون الصيغة الجديدة من الرواية (أي السيناريو) قد كتبها شخص آخر؛ بكلّ ما ستتمّ إضافته إليها من مشاهد متخيَّلة. وعلى غرار حكايات الجنّ، والخرافات الشعبية، والتراجيديات الإغريقية تنمو المحكيّات، وتتطوَّر دون أن تبقى تابعة لأيٍّ كان، ولا لأيّة حقبة زمنية معيَّنة؛ إذ تصبح ملكاً للإنسانية جمعاء.

هل بإمكانكم أن تَحْكُمُوا على روايتكم بأنها رواية إيجابية، تحمل قدراً من الأمل، لاسيّما بالنسبة إلى الجيل الجديد؟

– نعم. أظنّ أن الكِتَاب متفائل. في روايتي «لا تدعني أرحل أبداً»، ترى الشخصياتُ الشابّة معتقداتها تتهدَّم أمام أعينها؛ فقد كان عالمهم بدون أمل. أمّا في «كلارا والشمس»، فقد أردتُ أن تحافظ «كلارا» على هذا الأمل، وعلى تلك الثقة (هذه المرّة) في شيء ما قويّ بما يكفي وخيِّرٍ، وأن أوضِّح أنه -رغم كلّ شيء- يمكن لأمور إيجابية أن تحصل.

في ظلّ السياق الراهن، هل تعتقدون أن الشباب بإمكانهم أن يمتلكوا هذه الرؤية الإيجابية للعالم؟

– آمل أن يتمكَّنوا من ذلك، وألّا يخيب أملهم؛ هذا أمر مهمّ للغاية. بالفعل، نحن نورثهم عالماً مضطرباً؛ قاسياً بالنسبة إليهم، بالمقارنة مع ما كان عليه عندما كنت شابّاً، عالماً يحمل كمّاً هائلاً من التحدِّيات على مستوى التحوُّلات المناخية، وكذا الفوارق بين الدول على مستوى التنمية، وغير ذلك. ومن منظور آخر، إذا قارنّا -عالمنا، اليوم، بعالم آبائنا، فسنجد أن الوضعية، في أوروبا، كانت متردِّية، للغاية، في القرن الماضي. لقد قطعنا أشواطاً كبيرة، وتحقَّقَ تقدُّم مهمّ على عدّة مستويات، خاصّةً فيما يتعلَّق بحقوق الإنسان. ورغم أن كلّ هذه المكتسبات تبقى هشّة، من واجب الشَّباب أن يحافظوا على تفاؤلهم، وعلى قوَّتهم وإيجابيَّتهم، وألا يستسلموا لنوع من التساهل أو الخمول.

هل تفكِّرون في أن تكتبوا، في يوم ما، عن نفسكم؟ هل يستهويكم التخييل الذاتي؟

– لا أظنّ أنني سأنخرط في مثل هذا المشروع. أبلغ، حاليّاً، السادسة والستّين من عمري، ولم يبقَ في العمر ما يوازي ما عشته؛ لذلك من اللازم أن أختار، بعناية فائقة، ما يجب أن أهتمّ به، بوصفي روائياً. يُطرَح، كذلك، مشكل آخر بالنسبة إلى الكتابة السيرَ- ذاتية؛ يتمثَّل في أنك تجد نفسك مجبراً على إدخال أشخاص آخرين في بَوْحِك؛ لذلك، إذا اخترتُ أن أكشف أشياء عدّة حول حياتي؛ فسيكون ذلك – بالفعل – قراريَ الخاصّ، إلا أنني سأعْرِضُ لحياة أقربائي، بالضرورة، دون أن يكونوا هم راغبين في ذلك.

ألا يمكن لبعض مراحل حياتكم أن تكون حاضرة في كتاباتكم، بالرغم من أنها كتابات خيالية محضة؟

– من الصعوبة أن تكتب عن نفسك، لكني، بالفعل، أقوم بهذا بطريقة غير مباشرة في رواياتي، بما يكشف طريقة تمثُّلي للعالم، إبَّان فِعْل الكتابة. من ناحية أخرى، لا تشبهني أيٌّ من شخصيّاتي؛ فقد حاولتُ، على الدوام، أن أعبِّر عن أفكاري من خلال الرؤية العامّة التي تحكم الرواية، لا عبْر تمثُّل أفكار شخصٍ معيَّن أو شخصيةٍ ما.

حوار: كلير شازال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر:

Claire Chazal, Kazuo Ishiguro: «J’ai voulu montrer que des choses positives pouvaient arriver malgré tout», (Le grand entretien), LIRE LE MAGAZINE LITTERAIRE, n°: 499, Septembre, 2021, p: 06-10.

 

مواضيع مرتبطة

فيلم «الأب».. فلوريان زيلر وسينما النوع
ترجمة: مونية فارس 30 سبتمبر 2021
لاريسا بندر: الأدب يردم الهوَّة بين الثقافات
حوار: حسن الوزاني 07 يوليو 2021
حسن أوريد: الرواية التاريخية في مأمن من الرقابة
حوار: السيد حسين 26 مايو 2021
آمنة بلعلى: النقد العربي لم يُساير التحوّلات
حوار: نوارة لحرش 26 أبريل 2021
محمّد ساري: الكاتب يحبّ الإطراء، ويمقتُ النقد!
حوار: نوارة لحرش 17 مارس 2021
كافكا والسّنواتُ الحاسمة
ترجمة: محمد الفحايم 17 مارس 2021
المترجم التونسي عبد الجليل العربي: أصعب ما ترجمته
حوار: فيصل رشدي 08 فبراير 2021
بشير مفتي: لا أكتب لأطلب مالاً أو شهرة
حوار: السيد حسين 14 يناير 2021
لين فنغمين: المستعربون الصينيّون ضدّ المركزيّة الغربيّة
حوار: حسن الوزاني 11 يناير 2021
هيرفيه لو تيلييه.. مواجهة المرء لنفْسه
ترجمة: فيصل أبو الطُّفَيْل 01 يناير 2021