لاريسا بندر: الأدب يردم الهوَّة بين الثقافات

| 07 يوليو 2021 |
تُعتبر «لاريسا بندر» أحد أهمّ الأسماء التي تضيء مشهدَ نقل الأدب العربي إلى القرّاء الألمان. ترجمتْ عدداً من الأعمال الأدبية العربية إلى الألمانية، من بينها رواية «مدن الملح» لعبد الرحمن منيف، بالاشتراك مع ماجدة بركات، و«شرق المتوسِّط» للكاتب نفسه، و«يوميّات الثورة السورية» للروائيّة السورية سمر يزبك، ورواية «القوقعة» للروائي السوري مصطفى خليفة، وغيرها. وقد حصلت «لاريسا بندر»، قبل ثلاث سنوات، على وسام الاستحقاق الذي منحها إيّاه الرئيس الألماني «شتاينماير».
تعرَّفتِ إلى اللّغة العربية في سنّ الرابعة عشرة من عمرك، في أثناء زيارتك للمغرب، وستختارين، فيما بعد، دراسة هذه اللّغة. كيف تعيشين تجربة هذا الاختيار على مستوى الحياة والعمل؟
– يمكنني القول إنّ اللّغة العربية، كما هو الحالة بالنسبة إلى الثقافة العربية، أصبحت جزءاً لا يتجزّأ من حياتي اليوميّة. فأنا أحبّ قراءة الكتب العربية، سواء أكانت باللّغة العربية أم كانت مترجمَة. كما أحبّ أن أتفرَّج على الأفلام العربية، وأستمع إلى الموسيقى العربية، فليس لديّ حاجز بين الحياة اليومية والعمل.
هل تُبقي سلطةُ الناشر للمترجم حرِّيةَ اختيار ما يحبّ ترجمته؟
– للأسف، ليس بإمكان المترجم، عادةً، أن يختار ما يريد أن يترجمه أو أن يحدِّد ما هو ضروري، في رأيه، أن يكون مترجَماً من اللّغة العربية، ففي معظم الحالات يعمل بتكليف من دور النشر. شخصياً، قدَّمتُ عدّة اقتراحات لدور النشر تخصّ أعمال عدد من الكاتبات والكُتَّاب العرب، والتي كنتُ أراها مهمّة، بيد أن ردود الفعل لم تكن إيجابية عموماً. هناك، فقط، روايتان عرضتهما على دور النشر، قوبلتا بردّ إيجابي، هما: «شرق المتوسط» لعبد الرحمن منيف، ورواية «القوقعة» لمصطفى خليفة. ويمكنني القول إن هذين العملين هما الوحيدان اللذان ترجمتهُما وتمت الموافقة على نشرهما حتى الآن، بناءً على طلبي. بالطبع، هذا الكلام لا يقلِّل من شأن الأعمال الأخرى التي ترجمتها بناءً على تكليفات من دور النشر، فمعظمها أعمال مهمّة لكاتبات وكتَّاب مهمّين ومعروفين في العالم العربي.
ما هي، بنظرك، أهمّ الصعوبات التي يمكن أن تواجه المترجم الذي يشتغل على النصوص العربية؟
– في الدرجة الأولى، تكمن أهمّ الصعوبات في اختلاف اللّغتين؛ من حيث تركيب أو بناء الجمل. فعلى كلّ مترجم أن يفكّ الجمل، تماماً، إلى مجرَّد كلمات فردية، ثم يعيد تركيبها من جديد. وعديد من الجمل العربية تحمل، في أعماقها، عدّة إمكانات للفهم؛ فعلى المترجم أن يختار مقاربته لفهم الجملة المعنيّة، وطريقة التعبير عن معنى الجملة في لغته التي يترجم إليها، فـ«الترجمة تفسير»، أيضاً، كما يقول الفيلسوف الألماني «غادامِر». أمّا المشكلة الثانية فتكمن في استعمال المجازات الكثيرة، وأحياناً غير المفهومة أو غير المنطقية بالنسبة إلى القارئ الألماني؛ فعلى المترجم أن يقرِّر كيف يتعامل معها.
كان للاستشراق الألماني دور سلبيّ في بداية القرن العشرين. كيف تمثِّلين تحوّلاته في الوقت الراهن؟
– يبدو أن دراسة الاستشراق الجامعية أو «العلوم الإسلامية»، في ألمانيا، قد تغيَّرت كثيراً بشكل إيجابي، ولأسباب مختلفة. ولعلّ أبرز هذه الأسباب هو أن عدد طلّاب الاستشراق، أو طلاب دراسات «لغات وثقافات العالم الإسلامي»، مثلما تسمّى الدراسة في جامعة كولونيا (كولن)، على سبيل المثال، الذين لديهم خلفيات ثقافية عربية أو تركية أو إيرانية،… يزداد سنةً بعد سنة؛ ما يعني ظهورَ أساتذة ذوي خلفيات مختلفة، غير ألمانية بالضرورة، و- من ثَمَّ- تغيُّر مناهج دراسة العلوم الإسلامية، وتغيّر التوجُّه الذاتي لهؤلاء الأساتذة في العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة. يضاف إلى ذلك احتكاك المستشرقين الشبّان المباشر بالمجتمعات العربية والإسلامية، وتعلُّم اللهجات المختلفة؛ بمعنى أن الاستشراق لم يعد «علماً مخبرياً» فوقيّاً، بل دراسات ميدانية مباشرة.
تتَّسم العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب بطابع مأساوي. ما الذي يمكنه أن تقدِّمه الترجمة والثقافة بشكلٍ عامّ، على مستوى تجاوز هذا الوضع؟
– بإمكان الأدب أن يردم الهوّة بين الثقافات بشكلٍ عام؛ لأنه يساهم في التعرُّف إلى الآخر، وإلى طريقة حياته وتفكيره، و-من ثَمَّ – فهمه بشكل أفضل. فإذا نظرنا إلى الوضع، في ألمانيا، بعد وصول عدد كبير من اللاجئين عام (2015)، مثلاً، فسنلاحظ بروز اهتمام فئات عديدة من الشعب الألماني بالأدب العربي، ويزداد هذا الاهتمام باستمرار، انطلاقاً من الحاجة أو الرغبة في فهم ثقافة المجتمع الذي أتى منه هؤلاء، وطبيعة ذلك المجتمع.
شكَّلتْ ألمانيا موئلاً لعدد من الكتَّاب العرب، من بينهم، على سبيل المثال، عادل قرشولي، وفاضل العزاوي، وناجي نجيب، وفؤاد رفقة، وحسين الموزاني، وعباس خضر، ومنهم من تحوّل إلى الكتابة باللّغة الألمانية. ما الذي يمكن أن تحمله هجرة الأدباء العرب إلى ألمانيا وإلى العالم العربي؟
– أظن أن هؤلاء الكتاب، وأيضاً الكاتبات الذين وصلوا، مؤخَّراً، إلى ألمانيا هم مثل بَنَّائي جسور بين الثقافتَيْن؛ الألمانية والعربية، وبالعكس، وحالهم حال المترجمين، سواء إذا ترجموا إلى اللّغة الألمانية أو إلى اللّغة العربية؛ فهؤلاء هم الذين يغوصون في أعماق المجتمع وأرواح الناس، ويلعبون دوراً أساسياً في فهم الآخر.
حصلتِ قبل ثلاث سنوات على وسام الاستحقاق الألماني. ما الذي يعنيه لك ذلك؟
– كنّا مترجمتَيْن اثنتَيْن من بين مجموعة كُتَّاب ومثقَّفين وممثِّلين وموسيقيِّين ألمان ممّن حصلوا على الوسام سنة (2018)، وذلك تكريماً لجهودنا في التقريب بين الثقافات. في الحقيقة، أرى في هذا الوسام ليس تكريماً لي، فحسب، بل تكريماً لعمل كلّ المترجمين الذين يبذلون الجهد نفسه، يوميّاً، في عملهم، وبكلّ اللّغات.
كيف تعيشين الحجر؟
– بما أن عمل المترجم يتمّ عادةً، ودائماً، في العزلة على طاولة المكتب، فمن غير المهمّ إن كان هناك جائحة أم لم يكن، بمعنى أنه لم يتغيّر الكثير، بالنسبة إليّ، فيما يخصّ الترجمة. بالطبع، إن إلغاء الأمسيّات الأدبية أمر مؤلم لي ولكلّ من يعمل في مجال الكتابة والترجمة. إنسانياً، أيضاً، أعاني- مثل غيري- من عدم التمكّن من الالتقاء بالصديقات والأصدقاء، وممارسة الحياة الطبيعية، فهذا ما أتوق إليه فعلاً.