ما الذي تكشفه أطروحات المؤامرة خلال وباء «كوفيد – 19»؟

ترجمة: عبدالله بن محمد  |  10 يناير 2021  |  

يحلّل «أوليفييه كلاين»، أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة بروكسل الحرّة، أسباب انفجار نظريّات المؤامرة منذ بداية الوباء، ونتائجها.

يعتبر نجاح الفيلم (الوثائقي) التآمري، Hold-up، الذي يدّعي كشفه مؤامرة وراء أزمة فيروس كورونا، أحدث أعراض هذا الفكر. منذ بدايته، اقترن وباء «كوفيد 19» بـ «وباء المعلومات»: وباء المعلومات الكاذبة، وخاصّة نظريّات المؤامرة.

وفقاً لهذه الأطروحات التآمرية، تمَّ صنع الفيروس في المختبر، وحظي حتى ببراءة اختراع، وسيحتوي اللقاح على تقنيات النانو، وستعمل الحكومات على تعميمه بهدف التحكّم في السكان…

لفهم أسباب وعواقب هذا الانتشار الواسع في نظريّات المؤامرة، أجرى موقع franceinfo مقابلة مع «أوليفييه كلاين»، أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة بروكسل الحرّة، والمتخصّص في المؤامرة.

هل يفاجئك هذا «الوباء المعلوماتي» الذي ندّد به المدير العامّ لمنظَّمة الصحّة العالمية في مارس المنصرم؟

– لا، ليس مفاجئاً. في أوقات الأزمات، تنتشر المعتقدات ذات الطبيعة التآمرية؛ فتستجيب نظريّات المؤامرة إلى ثلاث حاجات نفسية رئيسية؛ أوّلها معرفي، حين يسعى الناس لفهم ما يجري. وتعمل نظرية المؤامرة كشبكة بسيطة لتحليل واقع معقّد. إنها تقدِّم تفسيراً في خضمّ حالة من عدم اليقين. أما الثاني فهو الشعور بالرضا، أيّ أن تكتسب نظرة إيجابية لذاتك. فالأزمة تسبّب حالة من الوهن النفسي. تسمح لنا نظرية المؤامرة باستعادة التحكّم؛ عندها يمكننا التحرّك، كما يمكننا المقاومة. قد نقرّر عدم ارتداء القناع. لم نعد قطيعاً يكتفي باتِّباع تعليمات سلطة، لم نعد نثق بها كثيراً. أمّا الدافع الثالث فهو التواصل مع الآخرين، إذ يجب أن تكون قريباً من أشخاص آخرين. إنها فطرة إنسانية أساسية. مع الحجر المنزلي، يكون الناس أكثر عزلة، وتصبح شبكاتهم الاجتماعية محدودة أو مهدّدة. تسمح لنا المؤامرة بأن نصبح أعضاء في المجتمع. إن مشاركة نظريّات المؤامرة، التي تشكّك في الخطاب السائد، تمكّن من تكوين هويّة قيّمة. ففي كلّ مرّة تشارك فيها غيرك مقطع فيديو جديداً، يستجيب أصدقاؤك وأعضاء المجموعات، وهذا يزيد من شأنك.

فيروسات، لقاحات، 5G، عملة مشفَّرة.. ألا نشهد، مع هذا الوباء، «تشابك نضالات» تآمرية؟

– غالباً ما يؤمن الأشخاص الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة، بالآخرين، لكن ما أذهلني، مع هذا الوباء، هو تقارب المجموعات رغم تباين أصولها كلِّيّاً، وإعلانها، بشكل جماعي، عن نظرية المؤامرة نفسها.

فمن ناحية، نجد مجموعات من اليمين الأميركي، وأقصى اليمين، شعبوية، ترامبية؛ ومن ناحية أخرى، نجد كلّ هذا الفضاء، الذي لا علاقة له بالطبّ البديل والذي يغذّي، بشكل خاصّ، الحركة المضادّة للّقاحات، وهذا ما تطرّق له، بشكل خاصّ، فيلم Hold-up.

طريقة تعامل السياسيين مع الأزمة الصحِّيّة واجهت انتقادات على نطاق واسع. إلى أيِّ مدى يغذّي مناخ عدم الثقة في الحكّام الفكرَ التآمري؟

– فقدان الثقّة في الحكومات تفاقم بسبب هذه الأخطاء الإدارية. لكن هذه المؤامرة قسّمت المجتمع إلى فئتَيْن رئيستين؛ الأولى أناس عاديّون، وأناس بسطاء، وآخرون فضلاء، من ناحية، والنخب الجشعة التي تحاول التحكّم والاستغلال، من ناحية ثانية.

في Hold-up، هناك معارضة شديدة الوضوح. هذه النخب تضمّ السياسيين، كما تضمّ الصحافيين والعلماء والمؤسَّسات أيضاً، وكلّهم من أتباع السلطة.

يشعر المتآمرون أن صحافيِّي وسائل الإعلام التقليدية يوالون الحكومات؛ لذلك هناك فقدان كامل لشرعية الخطاب الصحافي، وهذا -بدوره- يسمح بإضفاء الشرعية على خطاب المؤامرة، لأنه محلّ شكوك الصحافيين.

هناك، أيضاً، في فرنسا، فقدان مقلق للثقّة في العلم والخبراء. والحقيقة أن شخصيات مثل البروفيسور «ديدييه راولت»، و«كريستيان بيرون» (من مؤيِّدي استخدام هيدروكسي كلوروكين كعلاج لفيروس كوفيد – 19) أو صاحب جائزة نوبل للطبّ، «لوك مونتانييه»، (الذي دافع عن أطروحة الفيروس المصنّع في المختبر، انطلاقاً من فيروس الإيدز)، يقدِّمون أنفسهم، أو يتمّ تقديمهم كضحايا للنظام، الذي شجّع على انتقال الخيال التآمري إلى المجال العلمي.

هل هناك صورة اجتماعية أو سياسية نموذجية للمتآمر؟

– من وجهة نظر علم الاجتماع، غالباً ما تنتشر نظريّات المؤامرة لدى الأشخاص الذين لديهم إحساس بالضعف. إنهم ليسوا، بالضرورة، أفقر الناس، بل هم أولئك الذين يشعرون بالهشاشة، الذين لديهم انطباع بأن شيئاً ما قد سُلب منهم أو أُعطِي للآخرين؛ لذلك ليس مستبعَداً أن يتبنّى أصحاب «السترات الصفراء» نظريّات مؤامرة تتوافق مع هذا النوع من البروفايلات. كتب «جوزيف أوسينسكي»، أحد أعظم المتخصّصين في المؤامرة الأميركية، في كتابه: «نظريّات المؤامرة تُصنع للخاسرين»، وهذه العبارة مناسبة للغاية.

من وجهة نظر سياسية، تكون معتقدات المؤامرة أكثر وضوحاً على اليمين منها على اليسار، وأكثر لدى أقصى اليمين منها لدى أقصى اليسار. تتحدّى نظريّات المؤامرة الخطاب السائد؛ لذلك من المنطقي أن يميلوا إلى الأقصى. يحمل اليمين المتطرِّف، أيضاً، أيديولوجية تحرُّرية للغاية، تتوافق مع نظريّات المؤامرة التي ترى أن الدولة ترغب في التحكّم في الأفراد.

متى ننتقل من التساؤل إلى الشكّ، ثم إلى المؤامرة؟

– هناك العديد من المسارات الفردية، لكن يمكننا وصف مسار نموذجي إلى حَدّ ما: نجد أنفسنا في لحظة شكّ، وعدم يقين، فيما يتعلَّق بتجربة شخصية أو وضع اجتماعي، ونسعى للحصول على إجابات. وضع يؤدّي إلى وضع آخر، ولا نتعلّق بالخطابات، فحسب، بل بأصحاب الخطابات، أيضاً.

سوف ننخرط في هذه المجتمعات حين نعمل على مشاركة تلك الخطابات، ويمكن أن يكون مجتمعاً افتراضياً. نرتبط عاطفياً بشبكة من الأشخاص الذين نتفاعل معهم، ونثق بهم، وستسمح لنا هذه الهويّة الجماعية بالشعور بالانتماء. هذا الاعتقاد ينظّم حياتنا الاجتماعية، ويصبح جزءًا من هويَّتنا الاجتماعية.

التنشئة الاجتماعية، في تلك المجتمعات، تعني أننا سننتقل من وضعية الشّك وعدم اليقين إلى التماهي مع تلك الخطابات. ما إن تدخل إلى المجتمعات المذكورة، حتى تجد نفسك في نظام إعلامي معارض كلّيّاً، من شأنه أن يروّج لسلسلة كاملة من المعتقدات، وسيحدّد طبيعة المعلومات التي سنتقبّلها.

هل يمكن إقناع المتآمر بخطاب معقول؟

– إن الدعوة «للإقناع بخطاب معقول» تفترض أننا على صواب، وأنهم مخطئون. الأمل يكمن في تحريك المؤشِّر. ما يمكنك أن تأمل فيه هو أنه، بعد مناقشتهم، يتراجع اعتقادهم بنسختهم بعض الشيء، وتصبح النسخة المقبولة، عموماً، منطقية، في نظرهم، أكثر من ذي قبل. إنه هدف يجب أن نكون قادرين على تحقيقه.

بقولنا: «أنتم متآمرون»، أنت تقول في الوقت نفسه: «أنا لست متآمراً»، وأنت تبني العلاقة كما تَمَّ التعبير عنها في هاتَيْن الهويَّتَيْن المتعارضتَيْن. ابتداءً من اللحظة التي تبدأ فيها نقاشاً قائماً على ما يميّزكما، لن يعتبر ذلك نقاشاً.

للتحدّث مع الأشخاص الذين يتبنّون نظريات المؤامرة يجب، أوَّلاً، إيجاد أرضية مشتركة، ومشاركة ما يوحّدنا عوض ما يفرقنا، في هذه الحالة، يمكننا اعتباره نقاشاً، و- من ثَمَّ- يبدو لي أنه من المهمّ، بشكل خاصّ، تحديد مصدر للانسجام والاتِّفاق، أو، على سبيل المثال تساؤل، أو حتى شعور بعدم الرضا فيما يتعلَّق بطريقة إدارة الوباء. في بعض الأحيان، هذا لا يعمل. هناك أشخاص يتمسَّكون بهويَّاتهم حتى أنهم لا يريدون تعريفاً مختلفاً للعلاقة مع الآخر.

في هذه الحالة، من الصعب، للغاية، تغيير آراء هؤلاء، لأننا لا نشكّك في المعتقدات فحسب، بل في ما يشكّل وجودهم، وينظّمه. يصبح ذلك تشكيكاً في وجودهم كلّه، بدلاً من التشكيك في مثل هذه القناعات. الخطاب العقلاني يجد أمامه سدّاً منيعاً. وهذا يشبه -إلى حَدٍّ ما- محاولات التخلّص من الأفكار المتطرِّفة، التي لا تنجح دائماً.

الآن، إذا ناقشنا الحقائق بحدِّ ذاتها، فإني أنصح بذلك؛ لا على أساس نظرية المؤامرة برمَّتها، بل انطلاقاً من عنصر أو حقيقة تبدو مقنعة بشكل خاصّ، للشخص، وتفكيكها بعمق وبأكبر قدر ممكن من الانفتاح، وهذا يريحنا من عناء الجدال الذي لا ينتهي. إذا حاولنا التحقّق من صحّة كلّ الحجج، فلن نخرج من المتاهة.

هل يعني ذلك أن تدقيق الحقائق، والتحقّق من الوقائع من قِبَل الصحافيين غير مجدٍ؟

– هذا ما كنّا نؤمن به لوقت طويل، لكنه ليس صحيحاً. قبل بضع سنوات، كشفت أبحاث في علم النفس عن وجود تأثير ارتدادي لعملية التحقّق من الحقائق، حيث يتمسّك الناس بأفكارهم أكثر، كلَّما كشفنا تناقضاتها. لكنّ هناك اعتراضاً على هذه الفكرة.

تدقيق الحقائق جهد ضروري. إنه ضروري وعمل جيّد، لكنها واحدة من بين عدّة أدوات أخرى، يجب استخدامها بحذر. مثلاً، عندما ينقل شخص ما خطاباً تآمرياً، قد نقابله بمقال «ندقّق فيه الحقائق» يعمل على تفكيك معتقداته، مصحوباً بتعليق مقتضب، فهذا هو أسوأ طريق للقيام بذلك. من الأفضل إرسال المقال دون اعتباره شكلاً من أشكال الحقيقة المطلقة، بل كمعلومات للنقاش، يمكن، من خلالها، بدء النقاش.

التحقّق من صحّة الحقائق مفيد حقّاً، خاصّةً مع الأشخاص المهمَّشين قليلاً، وغير المقتنعين تماماً. لكن مع المتآمرين الأقوياء، هذا لا يكفي، لأنهم سيعمدون إلى تشويه المصدر نفسه.

ألا تخشون من تعزيز المؤامرة بالرغبة في محاربتها؟

– منذ اللحظة التي تسعى فيها جميع وسائل الإعلام التقليدية إلى الذهاب بعيداً، بقولها إن «هذا الفيلم الذي تحبّونه كثيراً مجرَّد هراء»، يتعزّز شعورنا بأن هذه الوسائط لا تتحدّث عنا.

عندما نسمع جوقة تقوم بتشويه خطاب حقيقي في نظرنا، حتى لو كان مشكوكاً فيه من الناحية الواقعية، فإن ذلك يمكن أن يعزّز شعورنا بالانتماء إلى مجتمعنا.

ولمّا كان الصحافيون يفكّكون الخطاب الذي ينقله المتآمرون، فمن السهل عليهم التشكيك في أيّة محاولة للتحقّق من خطابهم، بالقول إن الصحافيين ووسائل الإعلام في خدمة السلطة والمصالح الخاصّة.

ما الذي يجعل نظريّات المؤامرة جذّابة للبعض؟

– هناك العديد من العناصر التي تجعلها جذّابة؛ فهي تتضمَّن جانباً من القصص الخيالية. نحن نَصفُ عالماً ثنائيّاً، في الغالب، من السهل فهمه أيضاً. من الجيّد أن نشعر بالضياع قليلاً. تستند نظريات المؤامرة، كالتي تضمَّنَها فيلم Hold-up، إلى عناصر غريبة، ومصادفات، بهذه «البيانات المنحرفة»، نبني قصّة تبدو لنا مقنعة جدّاً.

في هذا الصدد، تختلف نظريّات المؤامرة عن كشف المؤامرات الحقيقية، على غرار فضيحة «ووترغيت». هذه الأخيرة تستند، بشكل عامّ إلى تحقيق شامل – صحفي أو قضائي – يفضي إلى اعترافات. البيت الورقي ينهار كليّاً ما إن نسحب ورقة واحدة.

أوليفييه كلاين

كيف تفسّر نجاح بعض الشخصيات التي تنقل هذه الخطابات التآمرية؟

– «جان جاك كريفكور» (متحدِّث بلجيكي، يعارض التطعيم ومؤيِّد للأدوية البديلة، له مقاطع فيديو بلهجات تآمرية على (كوفيد – 19)، وحقّق نجاحاً كبيراً على «يوتيوب») من أكثر الشخصيات التي درستها. إنه يشبه المسيح إلى حَدّ ما. أسلوبه في نشر «خيرِ الكلام» يجعل خطابه مقنعاً بشكل خاصّ. مثل هذه الشخصية تعمل على تعزيز مصداقيَّتها بدايةً، وتؤسّس لجسور من الثقة مع المشاهد ثم تقدّم تأكيدات غير مدعومة، فيتأثر المتلقّي بالخطاب.

إنهم أصحاب بلاغة عالية. يضعون أنفسهم في الموقف الديكارتي. يقولون لك: أنت، رأيك أنت، أنا لا أفرض عليك أيّ شيء. لكن هذا مضلِّل تماماً، لأنهم، في الواقع، لا يملكون الحجج لتوجيه الاتِّهام. إنه التلاعب بعينه. سيقولون لك، أيضاً: «أنا أتحدَّث وفق مستوى فهمك، وبلغتك أنت». غالباً ما تكون مقاطع الفيديو، أيضاً، سيِّئة جدّاً في طريقة إخراجها؛ ما يعزّز الانطباع بأننا أمام أشخاص يشبهوننا.

يستخدم فيلم «Hold-up» تقنية تلاعب معروفة: اقتحم وصعّد الاشتباك.. نقدِّم لك حقيقة، ثم أخرى، وأخرى، الحجّة الجدلية الشهيرة. هذه الحجج ضعيفة، لكنك ما إن تنضمّ إلى الفيلم الوثائقي، وتنخرط فيه لأكثر من ساعتين، حتى تصبح على استعداد لسماع بعض النظريّات الرائعة، تماماً، التي لو قُدِّمت إلينا، منذ البداية، لوضعت حدّاً لرغبتنا في المشاهدة.

جمع فيلم«Hold-up» أكثر من (280) ألف يورو، على منصَّات التمويل الجماعي. ألا يسلّط ذلك الضوء، أيضاً، على المخاطر الاقتصادية للتآمر؟

– الأشخاص الذين أنتجوا Hold-up يشبهون، إلى حَدّ ما، المبلّغين عن المخالفات، ويعملون للمنفعة العامّة، لكن من الواضح أن مشاريعهم مادِّيّة. في البداية، يجب أن تدفع مقابل مشاهدة الفيلم. إذا كان الهدف هو منح الجميع حقّ الوصول إلى نتيجة عملهم، فمن الأجدر وضعه في متناول الجميع، بشكل مباشر، منذ البداية.

هناك جانب مادّي، غالباً ما يتمّ تجاهله عندما نتحدَّث عن المؤامرة. «جان جاك كريفكور» هو مثال جيِّد آخر. بالتوازي مع نشر أفكاره، هو يروّج، أيضاً، لتدريبات مكلفة جدّاً، ضمن مقاطع الفيديو التي يبثّها. يكفي أن يشترك %1، فقط، من الأشخاص الذين يشاهدون أحد أكثر مقاطع الفيديو شعبيّةً، في برامج التدريبات التي يشرف عليها، حتى يكسب مليون يورو على مدار العام.

بشكل عامّ، يقول خطاب المؤامرة إن المنافع المادِّيّة تؤدّي إلى تمويه الحقيقة. نحن نكذب عليك لأننا نريد أن نبيع لك الأدوية. لماذا لا يكون الأمر نفسه بالنسبة إلى مروِّجي نظريّات المؤامرة؟ إن وضع الناس، وجهاً لوجه، مع تناقضاتهم، أسلوب آخر للحدِّ من سيطرة هذا الخطاب.

مجهودات الشبكات الاجتماعية للتصدّي «للأخبار الكاذبة»، من خلال الإبلاغ عن المنشورات المضلّلة، أو حتى من خلال إغلاق الحسابات أو مجموعات الحوار، ألا تنتج، أيضاً، تأثيراً معاكساً؟

– يعتبر حظر البثّ رقابة على المحتوى، بوضوح. التبليغ عن أن المحتوى الذي يشاركونه لأنه يتضمَّن معلومات خاطئة أو مضلّلة، يمكن أن يمنحهم شعوراً بعدم الانتماء إلى هذه الشبكة الاجتماعية، ويدفعهم للبحث عن مكان آخر.

لكن الهدف ليس الوصول إلى المتآمرين أنفسهم بقدر ما هو وصول إلى الأشخاص الذين يشاركون هذا النوع من المحتوى، دون أن يكونوا -بالضرورة- متآمرين. يساعد هذا النهج، بشكل خاصّ، الأشخاص الذين لم يتمّ تحديد انتماءاتهم، بشكل كامل، مع مجموعات تآمرية، على توخّي مزيد من اليقظة، وقد يحدّ ذلك من رغبة الأشخاص المتشكّكين والمتردّدين في نشر هذا النوع من المعلومات.

لكن من الواضح أن الأشخاص المقتنعين، للغاية، بحقيقة هذه المعتقدات التآمرية، سيجدون سبباً للتنديد برقابة «فيسبوك» أو «تويتر» عليهم. التحوّل إلى ضحيّة جزء من الترسانة البلاغية للمتآمرين.

ما الخطر الذي تمثّله نظريّات المؤامرة في مجتمعنا؟

– لدينا شكل جديد ومقلق من المؤامرة، لم يعد قائماً على الحقائق، ونرى ذلك مع «كيو أنون – Q Anon». لا نحتاج حتى لإثبات التآمر، بالطبع، إذ يصبح منيعاً ضدّ عملية «التدقيق في الحقائق». هذا هو النهج الذي يستخدمه «دونالد ترامب» عندما يقول إن الانتخابات مزوَّرة في يوم الانتخابات، في غياب أيّ دليل. داخل شبكته، سيشارك الجميع هذه الرسالة التي ستصبح حقيقة لسلسلة كاملة من الأفراد. هذا يسمّى الفاعلية والشرعية الاجتماعية. الأشخاص الذين أحبُّهم، والمنتمون إلى مجموعتي، يردّدون ذلك، فيصبح، من ثَمَّ، خبراً صحيحاً، لم نعد بحاجة إلى حقائق لتدعيمه.

للمؤامرة عواقب سياسية، والعمل في ديموقراطية مثل ديموقراطيتنا، يفترض أن نؤسّس لواقع مشترك، يجب أن نتفَّق على مجموعة من المبادئ والمعتقدات الأساسية. عندما يندّد «دونالد ترامب» بالانتخابات المزوّرة، فهذا أمر خطير للغاية، لأنه يدعو إلى التشكيك في إمكان وجود أساس من القيم المشتركة، التي تمكِّننا من إرساء نقاش ديموقراطي. ومع تقسيم الفضاء الإعلامي، الذي زادته الشبكات الاجتماعية حدّةً، برز خطر حقيقي في غياب أيّ مرجع مشترك، وفي هذه الحالة، لن يكون هناك أيّ مجال للنقاش.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حوار: لويس سان، وبينوا زغدون

المصدر:

https://bit.ly/37zssCK

مواضيع مرتبطة

حكاياتٌ حول كأْسِ العَالَم
مصطفى كيسوس 10 نوفمبر 2022
بعضُ الأقوال حول كرة القدم
ترجمة: يحيى بوافي 10 نوفمبر 2022
عولمة كرة القدم تعزِّز الانفتاح
ترجمة: مروى بن مسعود 10 نوفمبر 2022
كأننا لم نُترجِم إدوارد سعيد
شوقي بن حسن 07 سبتمبر 2022
باتريك موديانو: يمكن حذف عناوين رواياتي للحصول على كتاب واحد
ترجمة: مونية فارس 07 سبتمبر 2022
منصف الوهايبي: السجال حول «قصيدة النثر» بدأ قبل ظهور «قصيدة التفعيلة»
حوار: السيد حسين 07 سبتمبر 2022
إدغار موران: أصفُ نفسي باليقظ وحتى بالحَذِر وليس بالمُتشائم
ترجمة: يحيى بوافي 02 فبراير 2022
«أمازون» ابتكرت طرقاً لا حصر لها لتقسيم الرواية
ترجمة: عبدالله بن محمد 02 فبراير 2022
يورغن هابرماس: على الفلسفة أن تواصل التخصُّص دون توقف
ترجمة: يحيى بوافي 02 فبراير 2022
ميشيل مافيزولي: الإدارة بواسطة الخوف تؤدِّي إلى ترسيخ الفردانية
ترجمة: حياة لغليمي 02 يناير 2022

مقالات أخرى للكاتب

فنّ لعب كرة القدم
10 نوفمبر 2022

إنّ اقتفاء أثر تاريخ لعبة كرة القدم من خلال البحث عن الجوانب الإنسانية بعيداً عن النتيجة الرياضية، هو سردٌ لقصص الأفكار والمُثل العليا، والأفراد الذين جسَّدوها. هل يمكن الحديث عن كرة قدم مختلفة؟ ما هو حاصل ذكاء كرة القدم؟ من قتل الكاتيناتشيو الإيطالي؟ هل...

اقرا المزيد
عندما نفكِّر في كرة القدم
10 نوفمبر 2022

سايمون كريتشلي أستاذ الفلسفة في المدرسة الجديدة للبحوث الاجتماعية في نيويورك ومؤلِّف 29 كتاباً، بما في ذلك «بماذا نفكِّر عندما نفكِّر في كرة القدم»، «الانتحار»، «كيفية التوقف عن العيش والقلق»، و«كتاب الفلاسفة الأموات». أجرى معه مؤخراً نايجل واربورتون...

اقرا المزيد
«أمازون» ابتكرت طرقاً لا حصر لها لتقسيم الرواية
02 فبراير 2022

بفضل حصتها المُذهلة في السوق الأميركية التي بلغت 50 % من الكتب المطبوعة وما يزيد على 75 % من الكتب الإلكترونية، غيَّرت «أمازون» الحياة الأدبية كما نعرفها. لكن متجر «كل شيء» لم يغيِّر فقط كيفية شراء الكتب: وفقاً لـ«ماكجورل»، أستاذ الأدب في «جامعة ستانفورد»،...

اقرا المزيد
نعوم تشومسكي: علينا تغيير الوعي
11 نوفمبر 2020

عاش نعوم تشومسكي، بكلّ المقاييس، حياةً استثنائيّةً للغاية. في أحد الفهارس، تمَّ تصنيفه في المرتبةِ الثامنة بين أكثر الأشخاص الذين يتمُّ الاستشهاد بهم في التاريخ، مع أرسطو، وشكسبير، وماركس، وأفلاطون وفرويد. في سن الـ91، وبالإضافة إلى عشرات المُؤلَّفات،...

اقرا المزيد
صناعة النشر بعد الوباء
03 يوليو 2020

في وقتٍ مُبكِّر من تفشّي جَائِحة كورونا، تمَّ تداول سؤال في مجتمع الكِتابة مفاده أنّ شكسبير ألَّفَ «الملك لير» أثناء الحَجْر الصحيّ زمن الطاعون الدبلي. ما لم يتطرَّق له السؤال، والذي يمكن أن يكون أكثر فائدةً للكُتَّاب، كيف تغيَّر مجتمع المسرح بينما كان...

اقرا المزيد