ما بعد المئة

نجود عبدالقادر  |  26 نوفمبر 2020  |  

يأخذ نفساً عميقاً، ويخرجه قائلاً: «أستغفرُ الله العظيم»

شيء في فؤاده يضطرب، تتلكَّأ الكلمات وهي خارجة بلهفة الولهان: أستغفرُ الله العظيم، وأتوب إليه.

صراخ الشمس في وسط النهار، يجلب الصداع، وينهك الأعصاب. المدى يبدو خالياً متعباً، صحراء بلا ذرِّيّة، تلعب فيها الرياح مع الرمال لعبتها الأبدية، وتنصب الجنّ عروشها من شجيرات جافّة، ثم تتركها تدور مع الزوابع؛ لتثبت سيطرتها على العراء، وتسقي المدى بالسراب، مستنبتةً مزيداً من الخواء.

شجرة سنط يتيمة، يجلس تحتها رجل وناقة. يُخرج الرجل بعض الماء من جعبته، يشرب، ثم يبلِّل شفتي ناقته الجافَّتين بقليل منه، ويمسح وجهها، فتلوي رقبتها كأنها تعانقه. يبتسم لها بحبّ، ويربِّت على رقبتها الطويلة الغليظة، يعانقها بلطف فتضع رأسها الضخم على كتفه.

– حبيبتي، أنتِ حبيبتي.

الرموش الطويلة والأهداب الكثيفة، تنظر إليه، من خلالها، أنثى رحيمة، أمّ عطوف، نظرات حبّ ورأفة.

– منذ متى تعرفينني، يا (وضحا)؟

– منذ زمن طويل.. فتحت عينيّ على الدنيا لأراك.

– أتراك سعدت عندما رأيتني؟

– طوال عمرك كنت حبيبي ووليّ نعمتي.

– أستغفرُ الله!

أنزلَ عنها حملها لترتاح:

– حملي خفيف، دعه حتى لا تتعب وأنت تعيده.

– وأترككِ ليزيد عليك الحرّ؟! أستغفر الله!

ترك لها الحبل على الغارب.. لن ترحل، يعرف أنها تحبّه أكثر من حوارها.. استلقى إلى جوارها، وغفا.

نسمات مسائية لذيذة؛ أغرت بعض أوراق الشجرة بمداعبة وجهه المغبّر.. استيقظ جافلاً.. هربت الأوراق بشقاوة، عندما رفع رأسه، وضحكت النسمات على شكله المرعوب من لمسة ورقة.

جلس في مكانه متوجِّساً. نظر حوله، فإذا ناقته واقفة تأكل بعض الأوراق من الشجرة، والشمس في زوالها تمطّ ظلّه حتى جعلته طويلاً كرمح بلا ملامح.

شعر بالجوع، وقف يبحث عن طعام في رحاله. أدخل يده في الرحال يفتِّش، ويحاول أن يتذكَّر: هل بقي معه شيء من الزاد؟ وقع في يده قدح نحاسيّ صغير، أخذه ومسَّد ضرع الناقة، الضرع مليء بالخير، حَلَب في القدح قليلاً من اللبن، وشرب حتى ارتوى.

مسح شاربيه اللذين ابيضَّا بفعل السنين لا بفعل اللبن، ومسّد لحيته المشذَّبة، نظرإلى انعكاسه في القدح: العينان السودوان الكحلاوان الواسعتان، الأنف الأشمّ، التقاطيع القويّة الصلبة، الطول الفارع، المنكبان العريضان، القوّة الجسدية الهائلة: كان حريّاً به أن يكون زعيماً لولا… هزّ رأسه بسرعة، ينفض منه الذكريات التي تواردت، ويمنعها من العبور أمام قلبه.

أفرغ ما بقي من لبنٍ في جوفِه، ثم أعاد القدح إلى الرحال. عاد إلى ناقته يمسح رقبتها.

– أستغفرُ الله العظيم! علينا أن نسرعَ لنصلَ إلى صغيرك، لا بدّ أنه جائع جدّاً!

– نسيتَ أنه معنا؟

– صحيح! أتدرين أنني نسيتُ تماماً!؟

استدار لينظر خلفها؛ وإذا بالصغير يعبث ببعض الأغصان، يحاول أن يلوك أوراقها؛ فتستعصي على أسنانه الصغيرة،

– أستغفرُ الله العظيم! ما الذي كنتُ أفكِّر فيه، عندما اصطحبته معنا؟

– كنتَ تفكِّرُ بي.. خِفْتَ أن أحزنَ على فراقه.

– الطريق طويلة.. لا بدَّ أنه تعب!

– لا تخفْ عليه، مادام إلى جواري فإنه لا يشعر بالتعب.

– لكنه رأى ما لا ينبغي لصغير أن يراه.

دمعت عيناها:

– عليه أن يتعوَّد.

– صدّقيني. هذا الأخير.. لم أكن أقصد..

قاطعته:

– أعلم، أعلم، هو استفزَّك.

سمعا قهقهة ساخرة ممطوطة، إنه ظلّه الممتدّ إلى جواره، غريباً طويلاً وهو يلوك الكلمات:

– لا تقلقي. لا يحتاج الى استفزاز ليقتل.

– أستغفر الله العظيم! ما الذي أتى بك إلى هنا؟

– أنا موجود دائماً. أنت تنساني كما نسيت الحوار.

– ولماذا تضحك؟

– على خيبتك الثقيلة!

– أنت لا تعلم شيئاً.

– أعلم، على الأقلّ، أنك تضحك على نفسك بمداومة الاستغفار، أخطاؤك- يا رجل- لا يمحوها استغفار.

– لن أيئس.. لا بدّ لي من مخرج، لا بدّ من أن أرى النور وأتخلَّص منك إلى الأبد.

– تتخلَّص مني؟ ألا تبالغ في تقدير نفسك، عندما تظنّ أن باستطاعتك الخلاص مني؟

سترى!

– بل أنت من سيرى، أنا موجود ما دمتَ أنت موجود.

اخرس، سأروِّضك أيُّها البغيض.

– إن اتَّجهتَ إلى النور بوجهك؛ أكُنْ خلفك، أعبث بما تبقّى لك من ضمير. وإن أوليت النور ظهرك؛ تجدني أمامك أخفي عنك معالم الطريق، وأتركك للتيه.

– أستغفر الله العظيم. قلت لك: اخرس!

– من أنت حتى تجد في نفسك الجسارة كي تستغفر؟

– هذا بيني وبين الله، ما دخلك أنت؟

– يا أخي، صاروا مع قتيل اليوم مئة، وقتيل اليوم لم يكن عاديّاً.

– نعم، لم يكن عاديّاً.

– تقتل عابداً عالماً؟

– هو عابد نعم، لكنه ليس عالماً، بالتأكيد.

– وكتبه التي كانت تملأ الصومعة؟

– ولو قرأ ألف كتاب.

– ألأنه أخبرك بما لا تريد سماعه؟

– ربَّما، أنا مشَّوش. أنا لا أدري لماذا قتلته.

– الغريب أنك، في كلّ مرّة، تخرج منها كالشعرة من العجين.

– أنا دائماً معي حقّ؛ لذلك أنجو.

– بل أنت محظوظ، فقط.

– قد يكون لأنني أستغفر؟

– قلت لك، يا رجل، إن استغفارك كالنافخ في نار الجحيم ليطفئها.

– استغفر الله. أستغفر الله. سأظل أستغفر ولو لأغيظك فقط. هيّا، يا (وضحا)، علينا أن نصل إلى القرية قبل الغسق، أمّا أنت فسوف تأتي العتمة وتبتلعك.

– انتظر، يا سيدي، نتحدَّث قليلاً. أنا لا أريد لك إلّا الخير.

– اخرس!

وضع الرحل على ظهر الناقة، وتأكَّد من إحكامه فوقها، بينما كان الظلّ يثرثر، محاولاً أن ينال منه انتباهة، وهو أصمّ لا يسمع.

غذَّ السير مغرِّباً، والشمس تكاد تعمي عينيه. يشدّ على الناقة فتسرع، فينتبه إلى رغاء حوارها ينادي أمّه، فيسير الهوينى حتى يلحق بهما الصغير، ثم يجلده ضميره بسوطه فيعجِّل. ظلّ هكذا بين شدّ وجذب، حتى وصلا القرية، والنهار يجود بنَفَسِهِ الأخير.

سأل عن عالم القرية فدلّوه على صومعته. أناخ الناقة وحوارها، ثم أخذ سيفه:

– خير لك أن تترك سيفك عندي.

هزَّ رأسه معترضاً:

– أستغفر الله العظيم! خائفةٌ من أن أفعل شيئاً؟

– بل أخاف أن لا تعود إليّ!

– لا تقلقي! سأعود بإذن الله. استغفري ألف مرّة، وستجديني عندك.

– أستغفر الله العظيم. أستغفر الله العظيم. ربَّت على رقبتها الغيداء، ومضى.

في الصومعة رجال دين وطلّاب علم. سأل عن عالم القرية، فمضى به بعض الناس إليه.

كان الشيخ يجلس مع زمرة من مريديه، يتحدَّث عن التوبة. استمع قليلاً ثم سأل:

– أرأيت، يا شيخي، لو أذنبت مئة ذنب؛ أيغفر الله لي؟

– وما يمنع عنك مغفرة الله؟

– مهما كان حجم الذنب، يا شيخي؟

تفرَّس فيه الشيخ، ثم نظر بحنان:

– حتى لو قتلت مئة نفس!

أوجس في نفسه خيفةً: «أتراه عرفني؟ أنا لم أعد أحصي بعد الخمسين، ولولا ذلك الظلّ اللعين؛ لما انتبهتُ إلى أنني وصلتُ اليوم إلى مئة. كيف عرف الشيخ؟» استجمعَ رباطة جأشه لمّا رأى الناس حوله ينتظرون إكمال الحوار:

– وأين أجد باباً لله، أطرقه لأتوب؟

– أكنتَ يوماً في الصحراءِ، وحدك، تقودُ ناقتك وحوارها، حتى إذا صلتكم الشمس، استظللتم بشجرة يتيمة في أرض خلاء؟

زاد الخوفُ في قلبه.. هذا الشيخ يعرف الكثير عنه! وضع يده على مقبض سيفه مستعدّاً لأيّة مباغتة:

– ربَّما!

– هل رأيت للصحراء حولك باباً؟

– كلّا!

– هل رأيت حرساً وحُجَّاباً؟

– أبداً!

– أكنت تشعر بها- رغم اتِّساعها- تضيق بأنفاسك؟

– نعم.

– من أين جاء الضيق؟

– من نفسي، من داخلي.

– وما الذي ضيّق عليك نفسك؟

فكَّر مليّاً، ثم طأطأ رأسه معترفاً:

– ذنبي، يا شيخي، ذنبي.

– ذنبك طوقّك، وأسَرَك!

– وماذا أفعل إذا كنت أنا مَنْ قيَّدت نفسي بذنبي؟

– فكَّ الطوق! تحرَّر من الأسْر، ترَ كل الدنيا مفتوحة إلى الله، بلا أبواب أو حجاب.

– وكيف، يا شيخي، أفكّ القيد وأكسر الطوق؟

– بالمفتاح.

– أيّ مفتاح، يا سيِّدي؟ أنا عاجز تائه! لو كان عندي مفتاح لاستخدمته، ولما جئتك في سفر لأسأل.

– المفتاح هو الذي جاء بك إلينا!

– أستغفر الله العظيم. والله، ما جاء بي إليك، يا شيخي، إلّا عجزي عن إيجاد المفتاح، فكيف تقول إنه جاء بي إليك؟

– إنه معك، وأنت لا تدري.

– أستغفر الله العظيم! أتسخر مني، يا شيخي؟

– ألم تستغفر؟ ألم تندم؟ هذا أوَّل مفاتيح القيد. قل لي، يا بُنيَّ: لماذا تستغفر، مع أنك تذنب في الغدوّ وفي الرواح؟

– أرتاح، يا شيخي.. أرتاح!

– ألا تشعر بأنك تخدع الله بذلك؟

– أستغفر الله العظيم! كلّا، يا شيخي. أنا أستغفر وأنا عازم على ترك الذنب، ثم لا أجد نفسي إلا وهي تعيد فعلتها، مرّةً بعد مرّة.

– هذه ميزة الاستغفار؛ تخطئ، فتستغفر، فتُنقّى، ثم تعود للخطأ يلوِّثك؛ فتستغفر، ثم يعود النقاء.

– ألا يتركنا الله لأنفسنا؟

– كلّا! لا يملّ حتى تملّوا.

– ويغفر لنا؟

– بل يحبّكم على علّاتكم، وينتظر استغفاركم ليقرِّبكم.

– وهذا الظلام الذي يهدِّدني من بين يديَّ، ومن خلفي؟

– سيختفي هذا السواد.

– كيف؟

– إذا أخرجته من قلبك.

– هو أمامي، هو خلفي، عكس النور.. كظلّي لا في قلبي.

– بل إن بدايته من قلبك، وإلّا لما كان غير ظلّ، لا قيمة له.

– ومتى، يا شيخي، أتخلَّص منه؟

– عندما تكون أنت النور!

– أكون نوراً؟

– نعم. بالاستغفار تصبح نوراً، لأنك تتَّصل بالله، النور.

شعر كما لو أنه كان ميِّتاً فعاش، كما لو أنه أصبح نوراً فعلاً. دمعت عيناه.. منذ زمن بعيد لم يحظَ بدمعة في عينه. قلبه طريٌ كالوجد، روحه محلِّقة كالبراءة، سعيد كطفل في يوم عيد. الشيخ يكمل كلاماً جميلاً، يشدّه إلى مكانه.. روحه تطلب المزيد، شعر بالندم على أخطائه، لم يعد يستطيع الجلوس، يريد أن يبدأ من جديد، يريد أن يتنفَّس الحرّيّة بعد عبودية الذنب الطويلة. استأذن الشيخ بالخروج، وهو سعيد كما لم يشعر في حياته. استوقفه الشيخ:

– يا بُنيَّ، لا تعد إلى قريتك التي كنت فيها، إنها قرية سوء.

لا بدّ أن هذا الشيخ يعرفني. هل أقتله؟ كيف أحدث نفسي بالقتل، وأنا- للتوّ- عرفت طريق المغفرة؟ تبدّى الظلّ في خياله، يبتسم ساخراً: «أستغفرَ الله، أستغفر الله»، فاختفت صورة الظلّ الخبيث! «كلّا، سأهرب قبل أن ينادي الحرّاس».

– أستغفرُ الله العظيم! أين أذهب، وكلّ الديار متشابهة؟

– كلّا، ليست كذلك!

– وأين توصيني أن أذهب؟

– إلى الشام، فإلى هناك يأرز الإيمان.

لعلّ الشيخ يريد أن يسقطني في فخّ:

– قريبة هي أم بعيدة؟

– قريبة بقدر شغفك، بعيدة بقدر تسويفك.

– توصيني بشيء، يا شيخي؟

– لا تفقد المفتاح.

– لن أفقد المفتاح.

خرج من عند الشيخ، عجولاً إلى رحاله. جلَبة غير عاديّة في الليل البهيم. «أتراه أرسل الحرّاس ليأخذوني من رحالي كي لا يدنَّسوا الصومعة؟ « بعض مشاعل تغذّي النار، تصنع من ظلال الناس وحوشاً راقصة. تلثّم جيّداً، ووضع يده على مقبض سيفه متأهِّباً، ونادى في الناس المجتمعين، ممثّلاً دور صاحب السلطة:

– ماذا هناك؟ ما الذي يحدث؟

– ناقة! ناقة متوحِّشة عضَّت رأس رجل!

حدَّثَ نفسه، وهو يتخلّل الحشد: «معقول؟ (وضحا) تفعل ذلك؟ (وضحا) لم تؤذِ أحداً في حياتها!».

اخترق الحشد ليجد رجلاً يحاول تخليص رأسه من بين فكَّيْ (وضحا)، بينما تمسك هي به بأسنانها الكبيرة، وترفعه عن الأرض، وحوارها إلى جانبها، خائفاً، يلوذ بساقيها. أناخها بسرعة، واعتلى ظهرها، وهو ينهرها:

– (وضحا)! ضعي الرجل أرضاً بهدوء!

طوَّحت به، تريد أن تلقي به بعيداً، فصرخ فيها:

– بهدوء! قلت بهدوء!

تركت (وضحا) الرجل، فهرع الناس إليه يتفقَّدون إصابته، و يضمِّدون جراحه، بينما أسرعت هي تخبّ بصاحبها، وخلفها الحوار الخائف، يركض جزعاً راغياً. دخل بها إلى سوق القرية الذي ما زال عامراً بالرّواد، ليضلّل أيّة مطاردة محتملة:

– هل كان هذا حقيقة، أم كنت أتخيَّل؟

– لا أدري! أنت أدرى!

– أستغفر الله العظيم! كيف أكون أنا الأدرى؟ أخبريني.. ما الذي حدث؟

– جاء الرجل يخطف حواري، فرفعت صوتي أستنجد بالناس، فلم يجبني أحد. ناديتك، فلم تسمعني، حاولت أن أخيفه فلم يرتدع، فعضضته.

– يستحقّ ما جرى له.

– هل مات؟

– كلّا. لكنه أصيب إصابة بليغة، وأضفتِ إلى مئتي سبباً آخر ليطاردنا العالم.

ماذا حدث معك، عند الشيخ؟

– لم أقتله.

– أعلم.

– تعلمين؟

– لو فعلت لخرج الناس صارخين. إلى أين نذهب الآن؟

– إلى أمّي.

غذّت الناقة السير إلى مكان تعرفه جيّداً. النجوم تسامر الليل، والسماء الصافية تزيِّنها مجرّات رائعة الجمال، وقمر رفيع في آخر عمره، محدودب الظهر، سقيم كعرجون قديم.

بدت قريته، في الأفق، كآثار الجدري في ظهر شيخ أسود. بركت الناقة على حدود القرية، ونزل عنها يتحسَّس مكان سيره، بصعوبة. القبر الذي وقف عنده يسمع منه صوت استغفار!

– هل سمعتِ شيئاً؟

– ربَّما كان جنّاً!

– ربَّما!

– لستُ مجنوناً!

– كلّا، لستَ كذلك.. أنتَ تبالغ في التفكير وتحليل الأمور، فقط.

جلس إلى جانب القبر، وقال: سلام الله عليك يا أمّي. اليوم، فقط، علمت أنك لم تخدعيني، لم تعلِّقيني بأمل زائف أو مخدِّر يوهمني بزوال الألم، والعلّة كامنة لم تزل. الشيء الوحيد الذي علَّمتني إيّاه، يا أمّي، كان هو المفتاح. لم تخبريني، أبداً، أنك أعطيتِني إيّاه، لكني أظنّ أنك لم تكوني تعلمين أنه كذلك.

أتذكرين، يا أمّي، يوم كنتِ ضعيفة صغيرة؟ كنتِ جميلة غضّة، بيضاء كالحليب، وكانت جدَّتي طينية اللون. تحبّك، لكنها تغار من جمالك وبياضك. كانت تسمِّيك (بهاق)! ربَّما نسيتِ، لكن الطفل الذي كنتهُ لم ينسَ كرهه لضعفك، ساعتها. أنا ورثت عنها لونها الموحل؛ فكانت لا تناديني إلّا (الغالي). وأبي؟ هل تذكرين كيف كان يسخر من ضآلة حجمك، وقصر قامتك، ويتفاخر بي لأنني ضخم الجثّة مثله؟ لم أنسَ كيف كنت أشعر بالقهر منكِ، لأنك لم تكوني تردِّين عليهم، أبداً. أحياناً قليلة، كنتُ أضبطك فيها تمسحين أثر الدموع، وأنت تستغفرين، فأسألك: أنت تستغفرين، يا أمّي؟ هم الذين عليهم أن يستغفروا! هم المذنبون، لا أنتِ! كنت تبتسمين وتقولين: كلّنا بحاجة للاستغفار، الاستغفار يجعلني أرتاح، يجعلني أتذكَّر أن لي ربّاً يحميني، ويقف معي، الاستغفار يحييني بعدَ أن يقتلوا في داخلي الرغبة في الحياة.. ثم تمسكين خديّ بيديك قائلة: يكفيني من الاستغفار أنه أتى بك.

من استسلامك هذا؛ تعلَّمت أن أبطش لأكون محترماً. الناس لا يحترمون الضعفاء، ربَّما يشفقون عليهم، لكن لا يقيمون لهم وزناً.

أتذكرين يوم صرتُ فتًى يقف في وجوههم، ويجعلهم يحترمونك، كيف صارت جدَّتي تناديك: الغالية أمّ الغالي، بينما صار أبي يعاملك كدميته؟ يومها، فهمت أن استغفاركِ جعلني أعمل لحمايتك، وأنني، أنا القويّ الكاسر الذي جئت باستغفار، مسخَّر لتعيشي أنت، الضعيفة المسكينة، كريمة باستغفار.

يومها، يا أمّي، قرّرت أنني مهما فعلتُ فلن أترك الاستغفار. وها قد أثبتت الأيّام أنك كنت على حقّ. سأرحل، يا أمّي، بعيداً كما لم أبعدْ من قبل، وربَّما لن أعود مرّة أخرى. سامحيني، يا أمّي. أحبّك، يا أمّي، أحبّك!.

أنهى كلماته، ثم أخذ بعضاً من تراب القبر، عَفَّر بها رأسه، ثم قام واقفاً.

نظر إلى القرية الغارقة في سباتها، وأشار بيده مودِّعاً:

وداعاً، يا أبي. كنتَ تحبُّني أكثر من نفسك، لكنك كنتَ تسيء في الحبّ التعبير. أنا هنا، يا أبي، كلّما حاولت الوقوف وجدت من يعرقلني، يستكثر عليَّ موقفاً جيّداً، أو نخوة صادقة. أنا في نظرهم، ما عدت إنساناً، أنا وحش متعطِّش للدما،ء فقط. لا يتوقَّعون مني إلّا الأذى، ولا يقابلونني إلّا بالخوف والرهبة، لم يعطني أحد فرصة، لم تسمح لي أيّة جماعة بالانضمام إليهم. لماذا، إذن، آسى على فراقهم؟ أنت، فقط، بعد موت أمّي، كنت ما زلت ترى فيَّ النور الذي اختفى تحت طبقات من خطايا ارتكبتها على مدار عمري. أنت، فقط، الذي نظرت إلى الطيبة الكامنة خلف هذه القشرة العنيدة. أنا راحل يا أبي. اعذرني، فلن أعود. هنا كنتُ مجرماً بسبب أخطاء لم أرتكبها، وأخطاء أصررت عليها. أنا أرحل اليوم، خالعاً كلّ هذا الحمل الثقيل عن كاهلي، باحثاً عن أرض نقيّة، تفتح لي صفحة جديدة، بدون أحكام مسبقة، ولا توقّعات متفوّقة.

وقف ساهماً لحظةً، ثم وضع يده على موضع قلبه كأنه يمنعه من الهروب، وأخذ نفساً عميقاً.. ثم غادر.

رأته الناقة قادماً، فتهيَّأت، وانتظرته حتى اعتلى ظهرها، فقامت.. هرع إليها الحوار يريد أن يرضع:

– يا له من شره!

– مسكين.. لم يرضع كثيراً، سنمشي في الليل؟

– نعم، فكُحْله أرحم من أتون النهار.

– إلى أين ؟

– إلى الشام.

– ماذا في الشام؟

– أستغفر الله العظيم! تسألين كثيراً، اليوم.

– لن أسألك أيّ سؤال بعد الآن، لكن قلبي يكاد ينخلع من فرط ندمي على إيذاءالرجل، فأشغل نفسي بالحديث.

أخذ نفساً عميقاً من هواء الصحراء الساكن في لياليها الساهرة. أصوات غريبة لكائنات لا تبدو للعيان، خشخشات قريبة لحيوانات تبحث عن زادها، تجعل الجوَّ مليئاً بالرهبة والترقُّب. الحديث في هكذا جوّ، يبعد التفكير في المخاوف:

– سأحدّثك عن أوَّل قِتلة قتلتها.

– ألا يكفيني وجعي؟

– الحديث سيسلِّيك.

– حدثِّني.. على الأقلّ، نقطع الطريق الطويلة!

كانت السوق ممتلئة بالناس، يبيعون ويشترون ويتنادرون. لم أكن أتممت عقدي الثاني بعد. شابٌّ بكلّ العنفوان والقوّة. كنت قد تزوَّجت، حديثاً، من فتاة كالقمر. أمّي وأبي يعيشان معي بعد أن توفِّيت جدِّتي قبلها بثلاث سنوات، وأمارس تجارة واعدة، والحياة تبدو أمامي مفتوحة بالطول وبالعرض.

وكعادتي؛ كنتُ، في ذلك الصباح، أنتظر زبونيَ الأوَّل، وأقضي الوقت بمشاكسة جاري العجوز، سليط اللسان الذي يعرف في كلّ الأمور. مرَّت أمامنا فتاة تتلفَّت حولها قلقةً، وتابعتها بنظري، وإذا بشابّ يتحرَّش بها. في البداية، حاولت أن تتفلَّت منه لكن من غير فائدة. لاحظ الناس ما يفعله ذلك الشابّ، وصاروا يضحكون ويتندَّرون، والفتاة تحاول التخلُّص منه. في النهاية، استنجدت بالحاضرين، الجميع أشغلَ نفسه بشيء ما، ليبدو أنه لم ينتبه لاستغاثتها. تصوَّرت أن هذه الفتاة هي عروسي الجميلة، ففار الدم في عروقي، واندفعت إليه زاجراً:

– اترك الفتاة!

– ما دخلك أنت؟

«لماذا يبدو أصحاب الباطل أقوياء بوقاحة، رغم أنهم يعرفون أنهم على باطل؟»

– لأن الفتاة استنجدت بنا!

قال مستهزئاً:

– وكلّ من استنجد بك تلبّيه؟

– نعم!

– إذن، أنجدني وأعطني هذه الفتاة!

لم أتحمَّل وقاحته فوكزته، فَقُضِيَ عليه. تجمَّع الناس وهربت أنا. عدت إلى البيت سريعاً وأخبرتهم بما حصل. أخذت أجمع الضروري من أغراضي وبعض الزاد. أبي يصرخ بي مؤنِّباً، أمّي تبكي، وعروسي تلطم، أمسكت يديها كي لا تؤذي الوجه التفّاحي الجميل، وضممتها إليّ، بشدة، أريد أن اعتصرها لتبقى معي، ونظرت إليها بوَلَهٍ، وقلت: لا أريد أن أظلمك. إن لم أعد خلال سنة، فأنت طالق. شهقت وأعولت، وتمسَّكت بيدي بشدّة، قائلة: خذني معك، ما يحدث لك يحدث لي. تفلَّتُّ منها، وأشحت بوجهي مهرِّباً دموعاً اغرورقت بها عيناي. ركبت فرساً لي سبّاقة، وهربت من القرية. وهكذا، بدأت جرائمي!

الثانية كانت دفاعاً عن فرسي: نزلت أشتري شيئاً، فسمعت صهيلها، عدت وإذا بالسارق قد سار بها، فلحقته. رفض أن يعيدها لي؛ فأرديته.

وإذا أردتِ الحقيقة لم أكن، دائماً، على حقّ، لكنني، في كلّ مرّة، أكون ساعتها على حقّ. الحقّ، يا عزيزتي، نسبيٌّ ما لم يكن إلهيّاً. ما ترينه سرقة أراه استعادة مال، وما ترينه اعتداءً أراه تأديباً. من يملك القوّة يملك الحقّ.

بعد القتيل العاشر (وربَّما التاسع)  صار الأمر أسهل. لم أعد أفكّر في الأمر مرَّتَيْن، ولم أعد أسأل عن دافع المخطئ قبل أن أقتله. النقاش، دائماً، عقيم في ظلّ أناس لا يرون في الحقّ إلّا ما يرونه هم. لماذا أفتح نقاشاً وأرهق نفسي بـ(قيل وقال)؟ القتل أسهل.

سكتَ بعدها طويلاً، وهو يفكِّر بعذاب الضمير المستديم الذي يلازمه. كلّا إنه يغالط شعوره.. لم يصبح أسهل! ربَّما بحكم الخبرة والتعوُّد صار القتل أسرع وأنظف وأتقن، لكن الألم صار أكبر، صار له ألوان وأشكال جديدة، ينسى بعضها فيذكِّره بها عابر سبيل، أو كلمة غير مقصودة، أو لحظة صفاء. أيّ صفاء؟ حياته أبعد ما تكون عن الصفاء.

لمع الخيط الأبيض في أفق السماء، وأعلن الفجر للكائنات فكّ الحصار الذي ضربه عليهم الليل الضرير، فقامت الكائنات إلى حاجاتها سعيدة، آملة بيوم جميل.

– تستطيعين السير بعد؟ حتى ترتفع الشمس، فقط. أعدك.

– لا تقلق. أنا بخير، لكنني خائفة على الصغير.

– أستغفر الله العظيم. نسيته، تماماً.

– تظلّ تنساه!

– يبدو أنني كبرت في العمر.

سارا، والشمس تلعب بظلِّه الذي انشغل، بعبثها، عن الحديث مع صاحبه. الحُوار يجرّ نفسه جرّاً، حتى الناقة صارت خطواتها متقاربة.

– في طريقنا بئر ماء عذبة، أظنّنا نصله قبل الزوال.

– إنه بعيد!

– أستغفر الله العظيم! كلّا. ليس بعيداً جدّاً.

– دعنا نسترحْ قليلاً.

– أين؟ هل ترين، على المدى، مكاناً يصلح لذلك؟

الصحراء كما هي دائماً؛ قاسية ملساء كسكّين. في الأفق، بدت بعض الشجيرات الباهتة الاخضرار.

– أتصلح هذه طعاماً لك؟

قالت، والتعب يهدّها:

– تصلح، تصلح. المهمّ أن أجلس قليلاً!

– أستغفر الله العظيم! قلت لك إن المكان ليس بعيداً!

– لكن هذه صالحة، حقّاً!

سارت به حيث الشجيرات القاسية. نزل عنها، بينما أخذ الحوار يرضع مغتبطاً. أخرج قدحه، وحلب شيئاً من اللبن وشرب. رفع يده اليمنى يظلِّل حاجبيه. هذه الصحراء يعرفها ككفّ يده، تصادقت معه لكثرة ما هرب والتجأ إليها، يحبّها وتحبّه. لم يتُهْ فيها مرّة، شيء ما فيها يدلّه على معالمها، ويسوقه إلى هدفه في كلّ مرّة. يظنون أن لديه موهبة، وهو يعلم أن تقديره لهذه الصحراء؛ حبّه لها؛ جعل قلبها ينبض من أجله. الصحراء القاسية اللئيمة، في ظاهرها، تخفي قلباً مليئاً بالكنوز. الرمل الذي يكوِّن تلالها، ويطغى كالموج العاتي على كلّ حياة فيها.. حبيباته جواهر صغيرة، وقلبها يحفظ الماء للأحباب وكنوزاً أخرى.

الصحراء أكبر شيء يدلّك على أن المكتوب ليس، دائماً، يدلّ عليه عنوانه، وأن الحكم الأوليّ على الأشياء ليس صادقاً دائماً، وليس صحيحاً حتماً، بل يحمل كثيراً من التجنّي والأحكام المسبقة.

شعر بالنشاط والحيوية:

– نسير؟

– نسير. هيّا بنا، قالتها بكسل.

– أستغفر الله العظيم! إذا أردتِ أن نبقى قليلاً بعد؛ فلنبقَ.

– كلّا، كلّا. أخاف أن يبدأ ظلّك بالحديث.

– أستغفر الله العظيم! لا تذكِّريني به، أظنّه، الآن، مشغولاً بخوفه وهو يتناقص.

– أنا هنا، أسمعكم.

– ما الذي أيقظك، أيُّها التافه؟

– لم أكن نائماً، بل كنت مشغولاً!

– بالقلق على مستقبلك؟

– لا تدّعي أنك لا تقلق على مستقبلك!

– أنا أحمل روحي على راحتي، وسكني على راحلتي، فممَّ أقلق؟

– وأنا مثلك؛ الشمس تهبني حياة غير كاملة، تعطيني وتنمِّيني، فأظنّ أنني أثيرٌ لديها، ثم ما تلبث أن تأخذ مني طولي وتقزِّمني، حتى لا أكاد أظهر. وعندما أيْئس؛ تعود لتعطيني وتمدّني، فأظنّها ابتسمت لي من جديد، فتسلِّمني للعتمة تزهق روحي. هذه حياتي: دورة تتكرَّر كلّ يوم، لا تملّ هي من العطاء ثم الأخذ، وصولاً إلى الخيانة، ولا أملّ أنا من الأمل واليأس، وصولاً إلى الرضا بما أنا عليه.

– هيّا، يا (وضحا).. هيّا قبل أن نعلق معه.

مشت الناقة تخبّ مسرعةً؛ ليس بسبب الشبع، بل بسبب العطش، صارت أحرص منه على الوصول إلى تلك البئر التي أخبرها عنها. وكانت كلَّما جرت أكثر، عطشت أكثر، فأسرعت أكثر، حتى صار هو يلجمها لتنتظر صغيرها.

وصلا البئر، وهما لا يكادان يريان الظلّ:

– هل يعقل أن هذه بئر حيّة.. انظر حولك، لا بشر ولا حيوانات، ولا حتى نباتات!

– أستغفر الله العظيم! ألا تصدِّقينني؟

– ليس كذلك، ولكني لا أرى علامات الحياة التي يجلبها الماء معه.

– هذه البئر مياهها عميقة، لكنك لن تذوقي مثل عذوبتها، أبداً. انتظري وسترين.

دلو قديم ظمآن معلَّق على البئر، كمشنوق ليس له من أنشوطته فكاك، ألقاه في البئر فخرج مليئاً بالماء العذب، تتراقص على سطحه شمس الصحراء، فيبدو كرحيق الجنّة. يقولون إن فاقد الشيء لا يعطيه، لكنهم نسوا أن فاقد الشيء هو أكثر شخص يشعر بقيمته. مدَّت رأسها لتشرب قبله، ابتسم لها وأمسك بالدلو، بشدّة، ليمكِّنها من الشرب، دون أن ينسكب الماء، سبقها حوارها، فتركته يشربه في ثوانٍ، أنزل الدلو ثانيةً، وثالثةً، وفي كلّ مرّة يطلب الحوار المزيد. في الدلو الرابع منعه، وأعطاه للناقة،

– أستغفر الله العظيم! يا لأنانيَّته! اشربي أنت.

– بل اشرب أنت!

– تعلمين أن قدحاً صغيراً يكفيني.

– إذن، أحضر قدحك!

– بل أشرب من الدلو مباشرةً.

شربَ قليلاً. شعر بأن حلقه أرض طينية جافّة متشقَّقة، جاء إليها الماء يملأ شقوقها، فأينعت. الماء بارد كأنه ليس في الصحراء، ويكاد يقسم أن هذا الماء حلو «حلاوة» العسل. شرب، ثم أعطاه لها. أنعشها الماء.

– المزيد. المزيد. المزيد.

ظلَّ يدلي بدلوه ويسقيها حتى ارتوت. نظرت إليه؛ فإذا هو مبتلّ بعرقه تماماً.

– الحمد لله، لقد ارتويت.

أدلى بالدلو مرَّة أخيرة، وشرب شرب شرب حتى ظنّ أنه سيأتي على ما في الدلو، وعندما ارتوى سكب باقي الماء على جسده.

أحياه الماء.. نظر حوله.. يبدو أن العطش كان يعميه ويعشي ناقته،، كان هناك بضع شجرات صبورة تتناثر في المكان، لم يرياها ساعة وصولهم، أكثر ممّا هو شائع في هذه الصحراء. أناخ راحلته عند أقرب شجرة.

– انظر! تلك الشجرة أكبر، وظلّها سيمتدّ، الآن، باتِّجاه الشام.

– أستغفر الله العظيم! ما بالك تعترضين كثيراً، هذه الأيّام؟

– لست أعترض. كلّ ما هنالك أنها أقرب إلى الشام!.

ضحك منها.

– أقرب بمئة خطوة؟

– نعم!

– كما تريدين. دعيني أملأ القربَ بالماء.

شجيرة عوسج جميلة ممتدّة الأغصان، قريبة من شجرة السنط التي اختارتها (وضحا).. ابتسمَ. ربَّما ترغب فيها طعاماً، لذلك أغرتني بجارتها.

أناخ راحلته وحوارها، الذي صار نشيطاً مرحاً يلفّ ويلعب، بعد أن ارتوى.

ترك لها الحبل على الغارب. لن ترحل، يعرف أنها تحبّه أكثر من حوارها. استلقى الى جوارها، وغفا.. لكنه، هذه المرّة، لم يستيقظ.

يتحدَّث الناس، في بلادنا، منذ ألف سنة، عن شجرة سنط مزهرة على مدار العام، تحتها رجل نائم، وقربها بئر ماء، وعندها ناقة وحوار، يحرسانها من مئة ظلّ، ومئة خطيئة.

رابط تحميل العدد كامل

مواضيع مرتبطة

كاميلو خوسيه ثيلا.. «مذكرات التيس اسمث»
تقديم وترجمة: مراد حسن عباس 02 فبراير 2022
الفلاسفة والمال.. هل حقَّق المُفكِّرون اتساقاً بين سلوكهم وما يكتبون؟
ترجمة: عزيز الصاميدي 02 يناير 2022
غولتين أكين «أسود أبيض»
ترجمة: صفوان الشلبي 07 يوليو 2021
عرفت كيف يحن الغصن
وديع سعادة 27 أبريل 2021
“لأني، حقّاً، رأيت”.. شذرات لكريستيان بوبان
ترجمة: الخضر شودار 26 أبريل 2021
حكاية الكائن (إكس)
عبد الرحمن عباس يوسف 17 مارس 2021
لويز غلوك.. الشاعر والقارئ (خطاب نوبل)
ترجمة: عثمان عثمانية 08 فبراير 2021
مو يان: «العمّ فوكنر، كيف حالك؟»
ترجمة: مي ممدوح 25 نوفمبر 2020
”حُلم الضابط الأميركيّ“ جبّار ياسين
ترجمة: عاطف عبد المجيد 06 أغسطس 2020
مارك ألكسندر أوهو بامبي: لَقَدْ أُلْغِيَ الْغَدُ
ترجمة: فيصل أبو الطُّفَيْل 31 يوليو 2020