هل أصبحنا عرضة للأوبئة مرّة أخرى؟

| 06 أبريل 2020 |
إن الوباء موضوع الساعة قد شغل الناس وقلب عاداتنا وأنماط حياتنا ويقيننا بشكلٍ غير مسبوق. أعاد ترتيب أولوياتنا وعطَّل حركتنا لبعض الوقت. وأصبحنا نشعر، بدرجاتٍ متفاوتة، بعجزنا عن مواجهته. والعجيب في الأمر أننا لم نعد نعرف دائماً ممَّنْ نخاف، أو حتى ما إذا كان يجب أن نخاف، خاصّة وأن الفيروس لا يعترف بالحدود. إن حالة عدم اليقين السائدة قد غذَّت أوهاماً لا حدَّ لها، وأثارت شائعات جامحة تكبر وتتسارع ككرة ثلج.
منذ القدم، كانت الفيروسات والطفيليات والبكتيريا والكائنات الدقيقة الأخرى التي تسبِّب الأمراض المعدية تتعايش مع البشر. ورغم التقدُّم العلميّ وتطوُّر الصحَّة العامّة، لا تزال الأمراض المعروفة منذ قرونٍ تصيب البشر (كالكوليرا والملاريا) ، مع ظهور أمراض جديدة يمكن أن تنتشر على نطاقٍ واسع (كالإيدز والسارس). وبنهاية القرن العشرين، بدت إمكانية انتشار وباءٍ عالميّ حقيقي أمراً غير مستبعد ممّا فاقم شعورنا بالضعف، وأذكى المخاوف من العودة إلى «العصر الأسود» عندما كانت البشريّة عاجزةً عن مواجهة الأوبئة. لكن لماذا تظهر (من جديد) هذه الأمراض وتتحوَّل إلى أوبئة؟ وكيف يمكننا محاربتها؟ يستعرض كتاب «عودة الأوبئة»، الذي شاركت في تأليفه الباحثة في المركز الوطنيّ للبحوث العلميّة بفرنسا والمُحاضِرة في العلوم السياسيّة بمعهد الدراسات الأوروبيّة في جامعة «باريس 8»، «أوريان غيلبو»، بعض الأوبئة التي أثَّرت على سكّان العالم في بداية القرن الحادي والعشرين، ويحلِّل أبرز التحدّيات العلميّة والاجتماعيّة والسياسيّة لانتشارها.
في عام 2015، قمتم بنشر عملٍ جماعيّ بعنوان «عودة الأوبئة»: لماذا يتزايد خطر انتشار الأمراض المعدية على نطاقٍ واسع في السنوات الأخيرة؟
– إن فكرة الظهور الدائم للأمراض المعدية في كلّ مرّة ليست جديدة: كما توقَّع تشارلز نيكول، الحائز على جائزة نوبل عام 1928، فإن الميكروبات تتكيَّف دائماً. يساهم في هذا الوضع العديد من العوامل التي ازدادت حدَّتها في السنوات الأخيرة، ولا سيما تطوُّر النقل الجماعيّ، والاحترار العالميّ، وزيادة عدد سكّان العالم، وتوسيع الزراعة وتكثيفها، والتكاثر وإزالة الغابات ممّا يعني زيادة الاتِّصال بين البشر والحيوانات، وتعزيز انتقال الفيروسات بين الأنواع.

هل أصبحنا أكثر عرضةً لمثل هذه الأوبئة مرّة أخرى؟
– التقدُّم العلميّ والبحث الطبيّ يقدِّمان لنا آفاقاً أرحب لمكافحة الأوبئة التي لم يكن من الممكن التفكير فيها من قبل، سواء من حيث الكشف أو العلاج. لكن هذا التقدُّم تقابله تطوُّرات مقلقة، لا سيما الاستخدام المُتهوِّر للمضادات الحيويّة في الطب البشريّ والبيطريّ الذي يعزِّز المقاومة، وعودة التناقض النسبيّ مقابل التطعيم. وقد أبرزت جميع الأوبئة السابقة أهمِّية التعاون الدوليّ.
ما هي الدروس المُستفادة التي تعلَّمناها من الأوبئة السابقة (الإيبولا، فيروس الإنفلونزا أ H1N1، السارس…)؟
– أبرزت جميع الأوبئة السابقة أهمِّية التعاون الدوليّ وعدم فعالية التدابير الجزئية والفوضوية مثل إغلاق الحدود بدون تنسيق. وقد بيَّن لنا وباء «سارز» و «H1N1» بشكلٍ خاصّ أهمِّية التواصل والشفافية بين الدول ومع الناس. بذلت الصين هذه المرّة جهوداً كبيرة في هذا الصدد بعد انتقادات لإدارتها لفيروس السارس في عام 2003. وتعمل منظَّمة الصحَّة العالميّة أيضاً على ذلك، للتكيُّف مع السياق الحالي: اجتمعت على سبيل المثال في 13 فبراير/شباط كلّ من غوغل، وفيسبوك، ويوتيوب… للحدِّ من تداول المعلومات الكاذبة.
أبرز وباء إيبولا الأخير، حيث أصبحت المعركة ضدّ المرض صعبة للغاية في البلدان التي تعاني من خلل في النظم الصحّية، أهمِّية وجود أنظمة صحّية قويّة ومرنة. في جميع هذه النقاط، لا يزال هناك الكثير الذي يتعيَّن القيام به، ولكن الحالة دقيقة بشكلٍ خاصّ فيما يتعلَّق بتعزيز النظم الصحّية، لضمان الوصول إلى الرعاية الطبيّة والبنية التحتية الوظيفيّة، القادرة على استيعاب الزيادة المُفاجئة في عدد المرضى.
هل المؤسَّسات الصحّية العالمية مستعدة بشكلٍ أفضل ممّا كانت عليه قبل بضع سنوات؟ هل لا يزال التفاوت قائماً بين دول أو مناطق من العالم؟
– يبدو لي أن منظَّمة الصحّة العالميّة تتواصل بشكلٍ أفضل ممّا كانت عليه في الأوبئة السابقة وتظهر وجودها بحزمٍ أكبر: يمكننا أن نرى ذلك على سبيل المثال في جهودها الرامية إلى عدم التقليل من خطورة الوضع، دون التسرُّع في إعلان كورونا وباء عالميّاً. من وجهة النظر هذه، يمكننا القول إنها تعلَّمت الدرس من فيروس H1N1 السابق (حيث تمَّ انتقادها لتسرُّعها في الإعلان عن حالة وباء) ومع إيبولا (خلال وباء 2014 في غرب إفريقيا، تعرَّضت لانتقاداتٍ لإعلانها حالة الطوارئ بعد فوات الأوان).
لا تزال هناك تفاوتات عالميّة قويّة للغاية في ما يتعلَّق بمرونة النظم الصحّية، الأمر الذي يمكن أن يجعل جميع جهود التحضير باليةً. وعلى الرغم من الدروس المستفادة من وباء الإيبولا، لا يزال الوضع في غرب إفريقيا مقلقاً، على سبيل المثال، وقد أعربت منظَّمة الصحَّة العالميّة عن قلقها بشأن قدرة القارة الإفريقيّة على التعامل مع فيروس كورونا.
لقد انتقدتم التعاون الصحّيّ الدوليّ، وخاصّة منظَّمة الصحَّة العالميّة. هل ما زالت انتقاداتكم سارية في عام 2020، بينما يستعد العالم لمواجهة وباء جديد واسع النطاق؟
– لقد تعلَّمت منظَّمة الصحَّة العالميّة من تجاربها السابقة، لكنها لا تزال منظَّمة حكوميّة دوليّة، وصنَّاع القرار همّ في نهاية المطاف الدول الأعضاء. وكما هو الحال في الأوبئة السابقة، على الرغم من إلحاحية الوضع سواء السابق أو الحالي، لم تكن التمويلات بالشكل أو السرعة المطلوبة: من 61 مليون دولار طلبتها المنظَّمة لمكافحة فيروس كورونا (COVID-19)، لم تحصل سوى على 1.4 مليون حتى الآن، و28 مليون دولار في شكل وعود.
من المُفارقات أن كورونا يأتي في سياق يشكِّك في التمويل طويل المدى للمستشفيات والبحوث العامّة.
– بالنسبة لآليات التمويل البديلة التي يقترحها البنك الدوليّ، مثل الأموال المتأتّية من شراء «سندات كارثة وبائية»، حيث يخاطر المستثمرون بعدم تلقِّي فوائد أو خسارة جزء من رأسمالهم في حالة تفشيّ الوباء ولكنهم يحصلون على عائدات مرتفعة جدّاً طالما لم ينتشر الوباء) ، فقد ثبت أنها غير كافية. في عام 2018، لم يسمحوا بالإفراج عن تمويلات لوباء الإيبولا في جمهورية الكونغو الديموقراطية، لأن تعريفها كان مقيَّداً للغاية. وفيما يتعلَّق بوباء فيروس كورونا الحالي، حتى لو تمَّ الإفراج عن الأموال، سيكون ذلك في أحسن الأحوال في أبريل/نيسان – بعد فوات الأوان…
يجب الاستعداد لمكافحة الوباء في وقتٍ مبكِّر، وعلى نطاقٍ عالميّ، لا سيما من خلال الجمع بين أنظمة الصحَّة والبحوث الدقيقة مع التمويل الدائم. وهذا النسيج يقوم على دعم المصلحة العامّة الوطنيّة والعالميّة، بعد أن كشفت الأوبئة عن أوجه القصور فيها. ومن المُفارقات أن وباء كورونا يأتي في سياق يشكِّك في التمويل طويل المدى للمستشفيات والبحوث العامّة.
حوار: بول سوجي – ترجمة: مروى بن مسعود
المصدر: le figaro عدد 27 فبراير 2020.