بفضل حصتها المُذهلة في السوق الأميركية التي بلغت 50 % من الكتب المطبوعة وما يزيد على 75 % من الكتب الإلكترونية، غيَّرت «أمازون» الحياة الأدبية كما نعرفها. لكن متجر «كل شيء» لم يغيِّر فقط كيفية شراء الكتب: وفقاً لـ«ماكجورل»، أستاذ الأدب في «جامعة ستانفورد»، فقد غيَّر نظرتنا للكتب التي نقتنيها أو نقرأها أو نكتبها. في كتابه «كل شيء وأقل»، يكشف «ماكجورل» نموذج توزيع «أمازون» وذوبان الحدود بين الأنواع، مجادلاً بأن خوارزمية «أمازون» قد حوَّلت فعليّاً كل الخيال إلى خيال النوع. بأفكاره الواضحة، يستكشف «ماكجورل» الأنواع العديدة التي شكّلها المنطق الاستهلاكي لـ«أمازون».
في كتابه الأخير «كل شيء وأقل»، يناقش «مارك ماكجورل» تحوُّلات الخيال في عصر «أمازون»، من ذوبان الحدود بين الأنواع إلى الدور المُتغيِّر للمُؤلِّف.
خلال مقابلتي مع المُؤرِّخ الأدبي «مارك ماكجورل»، ألقيت نظرة خاطفة من النافذة فوقعت عيناي على شاحنة «أمازون» وقعقعة عجلاتها على الإسفلت أسفل العمارة، حيث أسكن. كانت استعارة مناسبة لمحادثتنا حول كتاب «كل شيء وأقل»، التاريخ الأدبي الجديد المُثير لـ«ماكجورل» حول دور «أمازون» في إعادة تنظيم عالم الخيال. كتب «ماكجورل»: «لقد تسلّلت «أمازون» في كل بُعد من أبعاد التجربة الجماعية للأدب في الولايات المُتحدة. فأصبحت المنصة الجديدة للحياة الأدبية المُعاصِرة بشكلٍ متزايد».
يثير كتاب «كل شيء وأقل» أسئلة منطقية حول ماضي الخيال وحاضره ومستقبله. تحدَّثت مع «ماكجورل» عبر (زووم) لمُناقشة عصر «أمازون» وتبعاته: تفكيك حدود النوع، الدور المُتغيِّر للمُؤلِّف، ودواعي التفاؤل رغم كل ذلك.
أدريان ويستنفيلد: من أين جاءت فكرة هذا الكتاب؟
– مارك ماكجورل: في يوم من الأيام، أدركت أنني أصبحت عميلاً راسخاً في «أمازون». ثمَّ، كمُؤرِّخ أدبي، فكَّرت في بعض الحقائق الأساسية عن الشركة. بدأت «أمازون» كمحل لبيع الكتب، وهو أمر رائع بحدِّ ذاته. قبل 25 عاماً، لم تكن «أمازون» موجودة؛ الآن، هي بحكم الواقع قوة مهيمنة في صناعة نشر الكتب. يبدو أن هذا يستدعي بعض التحليل لما يعنيه صعود هذه الشركة. ليس بالمعنى البسيط، مثل أن تقول: ««أمازون» الآن تملي علينا تصوُّرها لشكل الأدب المُفترض». ليس الأمر بهذه البساطة أبداً، لكن «أمازون» تنير عالم القراءة. يتعايش الأدب الآن مع الكثير من الأشياء الأخرى في العالم التي لم تكن موجودة في الماضي؛ أما «أمازون» فهو المصباح الساطع الذي ينير هذه الحقيقة.
كيف تصف خصائص الرواية في عصر «أمازون»؟ ما هو نمط رواية «أمازون»؟
– هناك تنوُّع هائل في الخيال، لذا فإنّ المُهمَّة ليست تبسيط هذا التنوُّع. إنه سيركٌ بالخارج. من منظور «أمازون»، كل الخيال هو خيال النوع. في أوائل القرن العشرين، كان الأدب مقسَّماً بشكلٍ منهجي بين ما يسمَّى بخيال النوع -الخيال الترفيهي، وخيال الهروب، والخيال العلمي، والرومانسية، والغرب، وأفلام الإثارة، وما إلى ذلك- والخيال الأدبي. ما تقوم به «أمازون» هو إلقاء نظرة على المجال الأدبي والقول، «كل هذا يشكِّل نوعاً الآن». النوع هو القاعدة المُهيمنة للأدب في عصرنا.
عندما تقول إن «أمازون» تضع كل الخيال في سلّة خيال النوع، فهل تقصد أن رؤية «أمازون» بهذه الطريقة تقوم على الخوارزميات؟
– نعم فعلاً. أحد الأشياء المُدهشة في «أمازون» هو عدد فئات الأنواع الموجودة في المنصة. إنها بالآلاف حرفياً. هناك قوائم أكثر الكتب مبيعاً من النوع التقليدي، ولكن عندما تنظر إلى أسفل كل قائمة كتب على «أمازون»، سترى أنها مرتّبة في عدد معين ضمن فئات متنوِّعة بشكلٍ كبير، من روايات النساء المُطلقات إلى الخيال السويدي. ابتكرت «أمازون» طرقاً لا حصر لها لتقسيم الرواية لإنتاج شكلٍ جنيس. وهذا بالطبع مستمر مع التسويق. ظاهرة السوق الأوسع التي نتحدَّث عنها هي تمايز المُنتجات وتجزئة السوق. تدرك جميع الأسواق الكبيرة أن بعض المنتجات سوف تروق لجماهير معيَّنة. في الأدب، النوع يقوم على تسويق هذا العالم من الفوارق.
في بداية الكتاب، كتبت عن قصة بعنوان «صُوف» كتبها «هيو هاوي»، والتي بدأت في 58 صفحة قبل أن تصل إلى 1500 صفحة، بناءً على طلب القارئ. يمكنك استخدامها كمثال عن دور القُرَّاء المُتحمسين في تشكيل حياة عمل الخيال بشكلٍ مستمر. في هذا السياق، تذكّرت «شارل ديكنز» الذي ينشر روايات متسلسلة. عندما تدفع «أمازون» لمُؤلِّف ذاتي النشر على منصتها مقابل عدد الصفحات المقروءة، كيف يختلف ذلك كثيراً عن تقليد الدفع للمُؤلِّفين مقابل عدد الكلمات؟
– إنه استمرار لنفس التقليد. يمكن القول إن الفجوة الغريبة كانت في أوائل القرن العشرين حتى منتصف القرن العشرين، بالتزامن مع ظهور الحداثة الأدبية والافتراض السائد بأن الأدب يجب أن ينأى بنفسه عن السوق. ولكن على المدى الطويل من تاريخ النشر، كانت الكتابة للسوق هي القاعدة منذ القرن الثامن عشر. قصة «أمازون» في بعض النواحي مرتبطة بذلك، رغم اختلاف الآليات إلى حدٍّ ما. نحن لا نتحدَّث عن النشر المُتسلسل، حيث تنتظر شهراً للحصول على الدفعة التالية، ولكن هذا يعيدنا إلى ذلك الإحساس بالإنتاج التسلسلي. في بعض الجوانب، إنها حقّاً العودة الصاخبة لزمن «ديكنز» في التاريخ الأدبي. إذا كنت تريد أن تصنِّفه كاتباً وناشراً ذاتياً، فإن كتابة عمل واحد لن تفي بالغرض. حتى لو كان كتاباً عظيماً. الرهان يكمن في كسب بعض الجمهور من خلال كتاب جيّد حقّاً، ثمَّ الاستمرار في خدمة ذلك الجمهور. هذا ما حدث مع «هيو هاوي». لقد كتب قصة قصيرة رائعة، نجحت حقّاً. ثمَّ، لخدمة هذا الجمهور، كان عليه أن يستمر في كتابة المزيد من الأجزاء. حتى ألّف هذه الملحمة الضخمة، والتي يتم عرضها الآن على الشاشة. بالتأكيد لقد عادت روح «ديكنز»، برعاية «أمازون».
يبدو أن ذلك يلخّص دورة الحياة الكاملة للكتابة هذه الأيام. من النشر الذاتي، إلى النجاح الجامح، إلى العرض على الشاشة.
– يجب أن نفكِّر في التليفزيون. يمكن تحويل عدد قليل جداً من الروايات إلى سلاسل تليفزيونية، لكنها مع ذلك تكتسب شهرة حقيقية. يمكن أن تكون قناة (HBO) وجهة نهائية محتملة لعملك، والتي ستفجِّر شعبيته. نحن نعيش في عالم تسوده ثقافة الصورة، سواء كان ذلك عبر البث التليفزيوني أو الإنترنت. يجب أن يرتبط الأدب بذلك فقط كلما كان ذلك ممكناً. صحيح، أعتقد أن الكُتَّاب سعداء إلى حدٍّ كبير بهذا الأمر. بصفتك روائياً، يمكنك أن تطمح كثيراً إلى رؤية أو مشاركة عرض جيّد لقصتك.
بالحديث عن كونك مؤلِّفاً اليوم، فإنك تستخدم مصطلحاً جديداً: «مؤلِّف – رائد أعمال». ثمَّ تكتب: «في عصر «أمازون»، للكاتب مهمَّتان، كتابة الروايات وتسويقها». هل يمكنك أن تشرح الطرق التي توسّع بها دور الكاتب، وكيف استوعب المُهمَّة التي كان يقوم به الآخرون تقليدياً؟
– في العقود السابقة، كان من المُفترض أن يكتفي الكاتب بالكتابة، وتتكفل دار النشر بالباقي. يمكنك أن تظلَّ بعيداً عن كل الأعمال الإضافية، إلّا عندما يُطلب منك القيام بالقراءات. لا يتمتّع الكُتَّاب الذين ينشرون ذاتياً بهذه الرفاهية على الإطلاق. الأشخاص الذين يكسبون رزقهم من النشر الذاتي يعرفون الكثير من الأشياء عن تسويق الكتب أكثر من الكُتَّاب المُتميِّزين. بصرف النظر عن تأليف الكتاب، هناك الكثير من الأعمال الإضافية التي يتعيَّن عليهم القيام بها. يجب أن يعرفوا استراتيجيات التسعير، وتحضير قائمة البريد الإلكتروني، وتصميم الغلاف. كل هذه الأعمال مرهقة للغاية، ولهذا السبب يعمل النشر الذاتي مثل نظام المزرعة. الكاتب يستقطب جمهوراً، فيلاحظ محرِّر في دار نشر كبرى ذلك، وبعد ذلك سيقنع الكاتب بالعمل معهم. ما يستفيد منه هذا الكاتب هو التخلّص من أعباء كل الأعمال الإضافية. هذه هي الحُجة التي يتمُّ تقديمها لهؤلاء الأشخاص: «إنك تقضي كل هذه الساعات في تطوير قائمة بريدك الإلكتروني. هل تريد حقّاً القيام بذلك، بدلاً من التفرُّغ للكتابة؟» إن مستوى المعرفة الذي يجب أن يدركه الكاتب الذي ينشر ذاتياً يتجاوز الكاتب التقليدي بكثير.
بالنسبة للكُتَّاب الذين ينشرون بأنفسهم، أزالت «أمازون» الحواجز التقليدية أمام النشر. إذا كنت ناشراً ذاتياً، فأنت لست بحاجة إلى وكيل أو ناشر. ماذا يعني ذلك للعالم الأدبي؟ هل نتحرَّر بذلك من حرَّاس البوابة، أم أن المرور عبْر مرشّح الوكلاء والناشرين مهمٌّ؟
– في مرحلةٍ ما من الكتابة، في منتصف هذا الكتاب، أدركت أنني لن أحلَّ هذا اللّغز. أنا شعبوي بما فيه الكفاية، وديموقراطي بما فيه الكفاية، بحيث لا يسعني إلّا أن أشجّع على تجربة هذه المحاولة. من ناحيةٍ أخرى، لا أحد ينكر أن مراقبة الجودة مشكلة حقيقية. هناك الكثير من الهراء في الأعمال. هل تعيق الأشياء السيئة تقدُّمك نحو الأشياء الجيدة؟ هل تثق بخوارزميات التوصيات والمُراجعات لتوجيهك إلى أشياء جيدة بالفعل؟ توقفت في النهاية عن التفكير في حلِّ هذه المُعضلة. الجودة مهمَّة، ولا يجب أن نكترث لحقيقة أن الكثير من الكتب السيئة تجد طريقها للنشر، رغم تشجيعي لكل مَنْ يحاول الكتابة. الطريقة التي نفكِّر بها في النشر الذاتي الآن تشبه نهاية العالم للزومبي، حيث تأتينا العديد من الكتب في مجموعات زومبي، بما في ذلك العديد من روايات الزومبي! لا يمكنني القضاء على كل الزومبي. أعتقد أنها على قدرٍ كبير من الطاقة الإبداعية، على الرغم من أن الوقت الذي نوليه للأعمال المُتواضعة يكون محدوداً بالتأكيد، أو هكذا يجب أن يكون.
هذا السيل العرم من الكتب هل هو علامة على المزيد من الكتب السيئة في العالم، أم هو ببساطة مؤشِّر على الكمِّ الهائل من الكتب في المجموع، لذلك هناك المزيد من الكتب الجيدة والسيئة؟
– هناك المزيد من الأعمال السيئة والجيدة في العالم. وهناك المزيد من الكتب في العالم، وبعض الكتب الجيدة تأتي من موهبة مغمورة أتيحت لها الآن وسيلة أخرى لإثبات جدارتها. من المُؤكَّد أن تقليص البوابات يشجِّع الكثير من الأشخاص الذين لا يقدِّرون حجم موهبتهم، ولكن ما إذا كان ينبغي علينا القلق بشأن ذلك وإلى أي درجة فهذا سؤال معقَّد. لكن ما الغاية في ذلك؟ دع هؤلاء الناس يحصلون على فرصة. ما زلت أقرأ ما أرغب في قراءته. لديّ فضول لمعرفة ما تعنيه كل هذه الوفرة الأدبية.
يتوق العديد من الكُتَّاب إلى انهيار الحواجز بين الخيال الأدبي وخيال النوع لبعض الوقت. هل لـ«أمازون» فضل في «تراجع مراقبة الحدود»؟
– منح الائتمان ليس بالأمر الهيّن. تركِّز «أمازون» على ضرورات التسويق، وهو ما يعني فعلياً أن الحدود بين خيال النوع والخيال الأدبي أصبحت أكثر مسامية. مثال، «كولسون وايتهيد»، أحد أشهر الكُتَّاب في عصرنا، الذي كتب رواية بوليسية، ورواية زومبي، وأخيراً، رواية سرقة. لن يخطئ أحد في كونه كاتباً لخيال النوع المحض. ومع ذلك، من الواضح أن تقارباً ما قد حدث مع أشكال النوع في عمله. أو «سالي روني»: إنها لا تنكر أن أعمالها هي روايات رومانسية من نوعٍ معيَّن. وتحمل دائماً حكايات رومانسية في جوهرها، لذلك فهي تمتص بعضاً من تلك الطاقة لكن دون أن يتمَّ الخلط بينها وبين رواية «خمسين ظل من غراي». لا أعرف ما إذا كنت سأنسب الفضل لـ«أمازون

» في تراجع تلك الحدود. من المُؤكَّد أننا أمام ظاهرة أدبية في عصرنا بعد أن تحوَّلت «أمازون» إلى منارة الأدب الخاضع لاختبار قوة السّوق.
تقول بأن الخيال الأدبي هو نوعٌ خاص – أن كل الخيال هو خيال النوع في عصر الأمازون. ما هو الجنيس أو الصيغي بخصوص الخيال الأدبي؟ ما هي ثوابته؟
– من ناحيةٍ، ما نسميه الخيال الأدبي سيكون عموماً عملاً من أعمال الخيال الواقعي. هذا ليس هو الحال دائماً. هناك استثناءات للأعمال السحرية الواقعية، والتي لها صفة أدبية معيَّنة. خذ «جوناثان فرانزين» كمثال مهيمن على ما نسميه الخيال الأدبي اليوم. مهارته الكبيرة ككاتب تكمن في مراقبة أسلوب تصرُّف الناس في الظروف العادية. أعتقد أنها لا تزال ملاحظة رئيسية في ما يُعرف بالخيال الأدبي، رغم بعض الاستثناءات لهذه القاعدة. ختاماً، أعتقد أن الخيال الأدبي أقلّ تحديداً من النوع الأدبي. خيال النوع مؤثث جزئياً. رواية الجريمة سوف تنطوي على جريمة قتل. الرواية الرومانسية ستكون حول زوجين. هذه الأشياء غير قابلة للتفاوض، أو لن تكون ضمن هذا النوع. عندما تسمي شيئاً ما خيالاً أدبياً، فأنت تقول عنه أقلّ مما تقوله عندما تسمي شيئاً ما رواية جريمة. المُفارقة أن الموضوع غير محدَّد نسبياً. الخيال الأدبي هو النوع الذي يحاول ألّا يكون عاماً، حتى لو كان لا يسعه إلّا أن يكون كذلك، في جميع الأحوال. كل ما في الأمر أن الأساليب ليست واضحة مثل، على سبيل المثال، الإثارة الجيوسياسية. ولكن من وجهة نظر «أمازون»، الفكرة هي، «هل تريد شراء رواية بقدر معيَّن من المكانة، تتضمَّن أشخاصاً عاديين يقومون بأشياء عادية؟ سيكون هذا خيالاً أدبياً، وهذا يخدم سوقاً معيَّناً، تماماً كما تروق الأنواع الأخرى لأسواقٍ أخرى».
يمكنك أيضاً طرح بعض النقاط المُثيرة للاهتمام حول الإمكانات العلاجية للكتب في عصر «أمازون». ما الدور الذي لعبته «أمازون» في إيصالنا إلى هذا المكان، حيث غالباً ما يُنظر إلى الكتب كمجالٍ للهرب أو الرعاية الذاتية أو تحسين الذات؟
– كمُؤرِّخ أدبي، لا يسعني إلّا أن ألاحظ مدى اختلاف الخطاب المُحيط بالقراءة اليوم عما كان عليه في القرنين التاسع عشر والثامن عشر، حيث كانت قراءة الروايات محفوفة بالمخاطر. «يا إلهي، هؤلاء الفتيات يقرأن الروايات! إنهن فاجرات!» هذا الشعور، على حدِّ علمي، بالكاد موجود في عالمنا. اليوم، للقراءة فضيلة ضمنية، لأنها تتطلب مجهوداً أكبر بكثير من مشاهدة الترفيه عبر الفيديو. القول بأن الأدب من منظور «أمازون» هو مادة علاجية يعني فقط القول بأنه سلعة من سلع «أمازون» اللانهائية في متجر «أمازون» والتي قد تجعلك تشعر بتحسُّن. وقد تحسِّن علاقتك بالعالم. الخيال تقنية معزّزة تضفي على عالمنا معنى أكبر.
الجزء الأكبر من كتابك يدور حول التغييرات التي شهدتها الرواية من خلال ديناميكيات منصة «أمازون». لكني أريد أن أستكشف كيف تأثّرت الرواية بأسلوب «أمازون» في تجارة الأعمال. لقد حاربت «أمازون» الناشرين وبائعي الكتب، وقللت من أرباحهم، بل ودفعت بعضهم إلى الإفلاس. هذا العام فقط، رفع الناشرون الخمسة الكبار دعوى قضائية بدعوى أن «أمازون» تعمل على تحديد أسعار الكتب الإلكترونية. كيف غيَّرت ممارسات «أمازون» التجارية الرواية والنظام الأدبي؟
– من الجدير بالذكر أن توحيد صناعة النشر، بعيداً عن «أمازون»، تعتبر سمة مهمَّة في التاريخ الأدبي الحديث. أشار العديد من الأشخاص إلى أن إضفاء الطابع المُؤسسي على النشر السائد قد أدخل مجموعة من القيم على قطاع النشر لم تكن موجودة في العقود السابقة. إن التركيز على أفضل الكتب مبيعاً وتراجع القائمة المُتوسطة إلى لا شيء تقريباً، هذا ليس من عمل «أمازون». إنها الرأسمالية المُطبقة على النشر، بغض النظر عن «أمازون». دخلت «أمازون» إلى المشهد كقوة أخرى مؤثرة للغاية ولها قوتها الخاصة. وقد دخلت في صراعٍ مع تكتلات النشر للخمسة الكبار.
الآن، كان هناك وقت لتاريخ معقَّد لهذه العلاقة. تعود الخلافات المُتعلِّقة بتسعير الكتب الإلكترونية إلى الماضي، كل ذلك لأن «جيف بيزوس» اشترط، دون سببٍ واضح، أن تكون تكلفة الكتب الإلكترونية في الغالب 9.99 دولار. وقال الناشرون، «لا يمكننا تحصيل أي فائدة من بيع هذا الكتاب إذا كانت تكلفته 9.99 دولار. أنت تسرق الأعمال من الكتب الورقية». نجمت عن ذلك نزاعات قانونية ضخمة، مما أدى إلى تنازل «أمازون». يُسمح الآن للناشرين بفرض رسوم على ما يريدون من الكتب الإلكترونية. ومع ذلك، هذه ليست نهاية القصة، بسبب قدرة «أمازون» على القيام بكل شيء. «أمازون» تتحمل خسارة المال عندما تريد. من بعض النواحي، قصة «أمازون» بأكملها تتلخص في قصة شركة قادرة على خسارة المال لمدة عشرين عاماً حتى ينهار منافسوها. لتستيقظ بعد بضع سنوات وقد أحكمت قبضتها على السوق، ويمكنها الآن التحكُّم في السوق وجني الأرباح.
يشعر الكثير من الناس باليأس حيال «أمازون» والمخاطر التي تشكّلها. بالنسبة للمُستهلك، قد يشعر أنه أمام مشهد لداوود في مواجهة جالوت. وبالنسبة للذين يشترون الكتب من «أمازون»، هناك تنافر بين فائض الروايات المُتوافرة لهم وتقلص زمن القراءة المُتاح: «إنّ القارئ الإلكتروني المُتخم لـ(كندل) أو (آي باد) يُعَدُّ في نفس الوقت تكثيفاً قوياً للتجربة الأدبية المُحتمَلة، وقبراً صغيراً يتنبأ بدنوّ أجلنا». ما أملنا نحن كقرَّاء عصر «أمازون»؟ ثمَّ أن تكون حيّاً كقارئ، لماذا يُعَدُّ ذلك وقتاً فريداً أو ممتعاً؟
– هناك الكثير من الأسباب للقلق على أسس تقليدية حول مصير الأدب في عالمنا. مساحته التقليدية تتقلص باستمرار. تتضاءل السلطة التي كان يتمتع بها الأدب في المشهد الثقافي الأوسع.. من ناحيةٍ أخرى، حجم الرغبة في القراءة وإنتاج الأدب مذهل للغاية. إن المُقابل لهذا الشعور بالكآبة والعذاب هو مدى قوة الرغبة في القصة، مدى وجود هذه الرغبة في حياة مئات الملايين من الناس. نحن نعلم أن هناك الكثير من الأشخاص الذين لم يقرؤوا كتاباً أبداً، لكن هناك الكثير من محبي القراءة. هناك مئات الملايين من الأشخاص الذين يعتبرون القراءة جزءاً أساسياً لتجربة حياة مُرضية. إنها مكمِّل ضروري للغاية لوجودهم اليومي. ذلك المكان الذي يصنعه عقلك عندما يحوِّل الكلمات إلى قصة. هذا عظيم أيضاً. أعتقد أن الاستمتاع بالوفرة المعروضة أمامك كقارئ هو أكثر الأشياء أملاً التي تستحق الذكر.
إنّ سلطة الأدب في العالم الأوسع تتضاءل بلا شك. هذا مهمٌّ لشخصٍ مثلي، أستاذ اللّغة الإنجليزية – يتعلَّق الأمر بالتسجيل وعدد تخصُّصات اللّغة الإنجليزية وكل هذه الأشياء. كل هذه القضايا تتعلَّق بمسألة ذات معنى أعمق حول سلطة الأدب في عالمنا. لكن إذا لجأت إلى الأدب باعتباره وسيلة الملايين من الناس للحصول على المال، ولجعل حياتهم أفضل قليلاً، فهذا لا يزال عظيماً جداً، وحيوياً للغاية.
دمقرطة الأدب يمكن أن تثلج صدورنا أيضاً. منذ وقتٍ ليس ببعيد في مقياس التاريخ البشري، لم تكن القدرة على القراءة والكتابة والنشر منتشرة.
– كان هناك تقدُّم ديموقراطي في عالم الأدب. مجرد إلقاء نظرة على تكلفة النصوص، من عالم الكتب ذات الطبقات الثلاثية في القرن التاسع عشر إلى الوقت الحاضر، حيث غالباً ما تكون النصوص الإلكترونية مجانية بشكلٍ أساسي. كانت معدلات القراءة والكتابة تتوسع باستمرار من القرن التاسع عشر فصاعداً. عدد الأشخاص المنخرطين في عالم الأدب أكبر بكثير مما كان عليه في الماضي. أجد هذا مثيراً للاهتمام، حتى لو كان يتعلَّق بمسائل الجودة والقيمة الأدبية. ما مصير نموذج الأدب الذي قدَّمه «هنري جيمس» أو «جيمس جويس»؟ الكُتَّاب الذين قالوا: «إذا كنت تريد معرفة ما لدي، أيها القارئ، فسوف يتعيَّن عليك القيام ببعض الأعمال»؟ أعتقد أنه من الصعب جداً العثور على المشاعر في العالم الأدبي اليوم. أشعر بالتناقض حول اختفاء ذلك لأنني، على سبيل المثال، كانت لدي تجارب قيِّمة للغاية في العمل الجاد للحصول على ما يحاول المُؤلِّف تقديمه لي. أعتقد أن نموذج «أمازون» يتحرَّك بعيداً عن مطالبة القارئ بفعل أي شيء. إنه يتجه نحو التفكير في المُؤلِّف كخادم للقُرَّاء، يمنحهم ما يريدون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: